في لحظة تجمع بين سحر التاريخ ودقة العلم الحديث، يستعد المتحف المصري الكبير لاستقبال العالم في حدث أثري فريد من نوعه، حيث تُعرض لأول مرة مجموعة نادرة من أحذية وصنادل الملك توت عنخ آمون، التي تجاوز عددها التسعين زوجًا، لتكشف للعالم جانبًا إنسانيًا لم يُرَ من قبل في حياة الفراعنة.
هذا الاكتشاف المذهل لا يضيء فقط تفاصيل الحياة اليومية للملك الشاب، بل يعيد تعريف مفهوم الرفاهية في مصر القديمة، حيث امتزج الفن بالدين والرمزية بالعراقة في كل قطعة من هذه التحف الذهبية والجلدية التي صُنعت بحرفية مدهشة قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام.
ويأتي عرض هذه المجموعة ضمن الاستعدادات العالمية لافتتاح المتحف المصري الكبير (GEM)، الذي يعد أضخم مشروع ثقافي في القرن الحادي والعشرين، في احتفالية وصفت بـ«ليلة من نور»، تجمع بين عبق الماضي وروعة الحاضر.


كنوز خفية من غرفة الملك الصغير
أثناء أعمال التوثيق والترميم التي أجرتها فرق الآثار المصرية، تم اكتشاف أكثر من 90 زوجًا من الأحذية والصنادل داخل مقبرة الملك توت عنخ آمون بوادي الملوك بالأقصر.
تنوّعت المواد المستخدمة في صناعتها بين الجلد، والبردي، والكتان، والذهب، والأحجار الكريمة، مما يعكس الثراء الفريد الذي أحاط بحياة الملك الشاب.
وتُعد هذه المجموعة من أكثر المقتنيات تنوعًا في العالم القديم، إذ لم يُعثر على مثيل لها من حيث العدد والحالة الجيدة للحفظ.
رمزية فريدة ومهارة فنية نادرة
أظهرت دراسات التحليل والترميم أن بعض الأحذية كانت مزخرفة بنقوش دينية ورموز ملكية، بينما صُممت أخرى لأغراض حربية أو طقسية.
كما احتوت بعض الصنادل على بقايا زيوت عطرية استخدمت في طقوس الدفن الملكي، في دلالة على مدى العناية التي أُحيط بها الملك في حياته ومماته.
هذه التفاصيل الدقيقة تكشف عن فلسفة المصري القديم في التعبير عن الملوك، ليس فقط كرموز قوة، بل ككائنات بشرية تعيش وتحتفل وتتهيأ للخلود.

عرض عالمي لأول مرة في المتحف المصري الكبير
أعلنت وزارة السياحة والآثار أن المجموعة النادرة ستُعرض ضمن قاعة الملك توت عنخ آمون في المتحف المصري الكبير، المقرر افتتاحه رسميًا في نوفمبر 2025.
وستُعرض القطع داخل صناديق زجاجية خاصة تحافظ على درجة الحرارة والرطوبة المثالية لحماية المواد العضوية القديمة.
ويُتوقع أن تشكل هذه القاعة نقطة جذب رئيسية لزوار المتحف، خاصة أنها ستضم مجموعة كاملة لمقتنيات الملك الشاب، في تجربة بصرية وتاريخية فريدة من نوعها.

تفاصيل تكشف حياة الملك الصغير
يرى علماء الآثار أن دراسة هذه الأحذية تمنح لمحة نادرة عن شخصية توت عنخ آمون، إذ تكشف اختياراته اللونية والزخرفية عن ذوق راقٍ ووعي رمزي عميق.
وتشير التحليلات إلى أن الملك كان يمتلك أنواعًا مختلفة من الصنادل بحسب المناسبة، فهناك ما كان يرتديه في الاحتفالات الرسمية، وأخرى في الحياة اليومية أو الطقوس الجنائزية، مما يُبرز التنظيم الملكي الدقيق حتى في أبسط تفاصيل الحياة.

ترميم علمي بأيدٍ مصرية
قامت فرق الترميم المصرية خلال السنوات الماضية بجهود مضنية لإعادة تأهيل الأحذية الملكية، مستخدمة تقنيات الميكروسكوب الرقمي والليزر الخفيف للحفاظ على الأنسجة الأصلية.
وأوضحت إدارة الترميم بالمتحف أن بعض القطع كانت هشة للغاية وتمت معالجتها بمواد آمنة تمنع التلف، ما جعلها تعود للحياة من جديد في صورة مبهرة تحفظ عبقرية الصانع المصري القديم.
أحذية تروي حضارة لا تموت
تمثل مجموعة الأحذية الملكية لتوت عنخ آمون كنزًا فنيًا وإنسانيًا نادرًا، يروي فصولًا من حضارة لم تزل تلهم العالم حتى اليوم.
فمن الجلد إلى الذهب، ومن المعابد إلى الأحذية، تستمر قصة الملك الذهبي في كشف أسرار جديدة كل عام.
ومع اقتراب افتتاح المتحف المصري الكبير، تستعد القاهرة لاستقبال العالم بخطوات ملكٍ صغير، لا تزال آثاره تمشي على أرض الخلود.



















