خلافًا للتوقعات التي سادت خلال السنوات الماضية بشأن قرب أفول عصر الوقود الأحفوري، كشفت الوكالة الدولية للطاقة عن رؤية مغايرة لمسار سوق الطاقة العالمي خلال العقود المقبلة. فبرغم الرهانات الواسعة على تسريع الانتقال نحو مصادر الطاقة النظيفة، تؤكد البيانات الحديثة أن النفط والغاز سيظلان مكونين رئيسيين في مزيج الطاقة العالمي حتى منتصف القرن الحالي على الأقل.
ويعكس هذا الواقع استمرار الاعتماد الكبير على الوقود الأحفوري في قطاعات حيوية مثل النقل والصناعة والبتروكيماويات، خاصة في الاقتصادات الناشئة التي تشهد نموًا سكانيًا وصناعيًا متسارعًا، ما يوسع الفجوة بين الطموحات المناخية والواقع الاقتصادي للطاقة.

الطلب العالمي على الوقود الأحفوري مستمر في الارتفاع
أكدت الوكالة الدولية للطاقة أن الطلب العالمي على الوقود الأحفوري سيواصل الارتفاع خلال العقود المقبلة، موضحة أن الطلب على النفط والغاز لن يبلغ ذروته قبل عام 2050، خلافًا لتقديرات سابقة كانت تشير إلى الوصول إلى الذروة في وقت أقرب.
النفط في صدارة مزيج الطاقة العالمي
وأوضحت الوكالة أن استمرار الاعتماد على النفط يعود إلى دوره المحوري في قطاعات النقل والصناعة والبتروكيماويات، لا سيما في الاقتصادات الناشئة. وتوقعت أن يرتفع الطلب العالمي على النفط إلى نحو 113 مليون برميل يوميًا بحلول منتصف القرن الحالي، بزيادة تقارب 13% مقارنة بمستويات عام 2024.
الغاز الطبيعي كمصدر انتقالي للطاقة
وأشارت الوكالة إلى أن الغاز الطبيعي سيشهد توسعًا ملحوظًا في الطلب، مدفوعًا بدوره كمصدر انتقالي للطاقة في عدد من الدول.
كما توقعت تضاعف المعروض العالمي من الغاز الطبيعي المسال ليصل إلى نحو تريليون متر مكعب سنويًا، مقارنة بنحو 560 مليار متر مكعب حاليًا، في ظل استثمارات ضخمة ومشروعات بنية تحتية جديدة قيد التطوير حول العالم.
أسباب زيادة الطلب على النفط والغاز
وعزت الوكالة هذه الزيادة المتوقعة في الطلب إلى عدة عوامل، أبرزها النمو السكاني، وتوسع النشاط الصناعي، وارتفاع مستويات التحضر في العديد من المناطق. كما أشارت إلى التأثير المتنامي لثورة الذكاء الاصطناعي، التي تتطلب كميات هائلة من الكهرباء لتشغيل مراكز البيانات وشبكات الحوسبة المتقدمة.
مراكز البيانات تضغط على منظومات الطاقة
وذكرت الوكالة أن الإنفاق السنوي العالمي على توليد الكهرباء المخصصة لتشغيل مراكز البيانات سيصل إلى نحو 540 مليار دولار، وهو ما يشكل ضغطًا إضافيًا على منظومات الطاقة العالمية، ويعزز الحاجة إلى مصادر إمداد مستقرة وقادرة على تلبية الطلب المتزايد.
تحذيرات بيئية من تبعات التوسع في الوقود الأحفوري
وفي المقابل، حذرت الوكالة الدولية للطاقة من التبعات البيئية الخطيرة لاستمرار الاعتماد المتزايد على الوقود الأحفوري، مشيرة إلى أن ذلك قد يجعل من الصعب تحقيق أهداف الحد من الاحترار العالمي، مع احتمال تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية، في ظل محدودية فرص التراجع دون الاعتماد الواسع على تقنيات امتصاص الكربون من الغلاف الجوي.
فجوة بين الطموحات المناخية والواقع الاقتصادي
وأكدت الوكالة أن النفط والغاز لن يخرجا من المشهد العالمي في المستقبل القريب، بل سيستمران في صدارة مزيج الطاقة العالمي حتى منتصف القرن على الأقل، ما يعكس اتساع الفجوة بين الطموحات المناخية المعلنة والواقع الاقتصادي لسوق الطاقة العالمي.



















