في عام 2024، أصبح التحول الرقمي لسفر قطاع الأعمال واقعاً ملموساً، حيث يقود الذكاء الاصطناعي برامج إدارة السفر، مما يجعله يعمل بطريقة أكثر كفاءة وفعالية.
ويعد هذا الارتفاع في اعتماد الذكاء الاصطناعي جزءاً من التوجه العالمي، حيث من المتوقع أن يصل حجم سوق قطاع الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للسفر إلى 423.7 مليار دولار بحلول عام 2027، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 35% بين عامي 2022 و2027.
وبعيدا عن الكفاءة، يعمل الذكاء الاصطناعي على إضفاء الطابع الشخصي على السفر بقدرته على تخصيص الرحلات والفنادق والمواصلات وفقا لتفضيلات المسافرين، مما يحقق إيرادات كبيرة للقطاع. وفي الواقع، يعمل الذكاء الاصطناعي على تحسين السفر والنفقات، حيث تشير الأبحاث إلى إمكانية تحسين الكفاءة بنسبة تصل إلى 70%.
في هذا المقال سنستكشف الاتجاهات الرئيسية في القطاع، وسنقدم بعض الرؤى حول كيفية تغيير طريقة سفر الشركات خلال العام الماضي، كما سنسلط الضوء على الإمكانات الرائعة للذكاء الاصطناعي لتطوير كفاءة رحلات الأعمال في المستقبل.
دور الذكاء الاصطناعي في تطور تنظيم رحلات الأعمال
لا شك أن الذكاء الاصطناعي قد أحدث تحولاً في الطريقة التي نتعامل بها مع سفر الشركات، من التخطيط والحجز إلى تنظيم الرحلة بأكملها. وعلى وجه الخصوص، تمكن الأدوات المتطورة الشركات من تحسين التكاليف التشغيلية، وتبسيط عمليات الشراء، وتعزيز تجارب سفر الموظفين.
وتعمل هذه التطورات على تعزيز التعاون بين الإدارات المالية والموارد البشرية ومسؤولي تنظيم السفر، وجميعها تعمل على تحقيق أهداف مشتركة، مثل وضع سياسات سفر فعالة ومواءمة مبادرات السفر مع الرؤية الاستراتيجية للشركة. ولكن هذا ليس سوى قمة جبل الجليد.
صار استخدام الذكاء الاصطناعي ضرورياً للشركات لفهم تفضيلات السفر بالنسبة للموظفين وإضفاء الطابع الشخصي لتجارب السفر الخاصة بهم. كما يوفر معلومات محدّثة على مدار الساعة عن إتمام الرحلات الجوية وتسجيل حجز الموظفين في الفنادق وغيرها من الجوانب الأخرى الهامة في قطاع سفر الشركات. على سبيل المثال، يسهل الذكاء الاصطناعي اتخاذ القرارات القائمة على البيانات من خلال تقديم رؤى حول أنماط السفر وعادات الإنفاق وفرص توفير التكاليف المحتملة. ويتوافق هذا بشكل مثالي مع المشهد المتطور لشركات تنظيم السفر، التي تعطي الأولوية بشكل متزايد للمنهجيات القائمة على رقمنة عملية التخطيط للسفر، كما تفضل مبادرات الاستدامة وخيارات الأعمال المرنة.
من الملفت للانتباه، تبني منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذكاء الاصطناعي في رحلات الأعمال بشكل متسارع في الآونة الأخيرة. وتعمل دبي حالياً على تجربة الذكاء الاصطناعي في مجال تصنيف الأمتعة وإدارة الحركة الجوية وإدارة الجوازات. أما في أبوظبي، فقد عقدت شركة الاتحاد شراكة مع شركة مايكروسوفت لإطلاق أكاديمية الذكاء الاصطناعي لتسريع وتيرة إبتكارات الموظفين في تكنولوجيا العمل.
وفي الوقت ذاته، عرضت شركة تشاتلين – وهي شركة رائدة في مجال تطوير برمجيات تحسين تجربة الضيوف في قطاع السفر والضيافة – روبوت دردشة متقدم قائم على الذكاء الاصطناعي خلال فعاليات سوق السفر العربي لعام 2024، والذي يضمن استجابات دقيقة في توقيت متزامن، كما يعزز التواصل بين الفنادق ومجموعة متنوعة من العملاء ويحسن أوقات الاستجابة بشكل كبير.
علاوة على ذلك، تحسن الأدوات التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي من سلامة السفر وأمنه، إذ يتيح الكشف الفوري عن الأنشطة المشبوهة توفير تجارب سفر أكثر أماناً. تجسد سمعة دبي كوجهة سياحية آمنة الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في تعزيز تجربة السفر الآمن في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فعلى سبيل المثال، أحدث الذكاء الاصطناعي ثورة في قطاع أمن المطارات من خلال التحليل المؤتمت للتهديدات وتحديد الهوية لتعزيز التدابير الأمنية وتحسين سرعة المعالجة ودقتها.
يساهم الذكاء الاصطناعي أيضا في تحقيق الاستدامة في مجال رحلات الأعمال من خلال تحسين طرق السفر وتقليل الرحلات غير الضرورية. كما يقدم رؤى عميقة للبصمة الكربونية للشركة، مما يؤدي إلى فرص سريعة لخفض التكاليف. فعلى سبيل المثال، من خلال تحليل بيانات السفر، تقوم تحليلات الذكاء الاصطناعي التي أجرتها شركة “تمودوجرين” بحساب بصمات الكربون واقتراح طرق أكثر ملاءمة للبيئة. ووفقاً لشركة بوسطن كونسلتينج جروب، فإن تطبيق الذكاء الاصطناعي على جميع الانبعاثات يمكن أن يحقق انخفاضا بنسبة 5% إلى 10%، أي ما يعادل 2.6 إلى 5.3 جيجاتون من ثاني أكسيد الكربون.
إضفاء الطابع الشخصي على تجربة العملاء في رحلات الشركات
وقد برز إضفاء الطابع الشخصي كعامل تمييز حاسم في مشهد سفر الشركات اليوم، مدفوعاً بالخدمات التي تأخذ في الاعتبار الفروق الثقافية الدقيقة، وتصفح اللوائح المعقدة، وتكييف الخدمات اللوجستية مع أهداف الأعمال الخاصة بالشركة. ويعكس هذا التحول واقعاً ملموساً، وهو أن أكثر من 74% من المسافرين من أجل إتمام الأعمال يعطون الأولوية للتجربة الإجمالية أكثر من مجرد توفير التكاليف.
لنأخذ على سبيل المثال شركة “تمودو- Tumodo” التي تستفيد من الذكاء الاصطناعي في تحليل بيانات السفر الهائلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومن خلال الكشف عن الأنماط والاتجاهات الخفية – مثل الشعبية المتزايدة لرحلات العمل المختلطة بالترفيه – تحدد خوارزميات الذكاء الاصطناعي التي طورتها الشركة فرص التطوير، مما يؤدي إلى توفير كبير في التكاليف (حتى 35%) وتحسين تجربة العملاء بشكل عام.
تتجاوز مزايا قوة الذكاء الاصطناعي توفير التكاليف، فهو يحلل ثروة من البيانات – تاريخ السفر وأنماط السلوك وحتى تفاعلات وسائل التواصل الاجتماعي – لإضفاء الطابع الشخصي على تجربة السفر لكل فرد. وهذا لا يوفر وقت المسافرين وجهدهم فحسب، بل يبسط أيضا عملية التخطيط بأكملها.
ومع ذلك، تخصيص الذكاء الاصطناعي لا يقتصر على الوجهة، فعلى سبيل المثال، يمكن لأدوات الذكاء الاصطناعي أن توصي بالأنشطة المصممة وفقا للتفضيلات الفردية، مما يشير إلى خيارات تناول الطعام، ومشاهدة المعالم السياحية، وهذا يضمن حصول كل مسافر على تجربة فريدة تتوافق مع اهتماماته.
ويمتد أثر الذكاء الاصطناعي ليشمل تعزيز تجربة العملاء في كل جوانب رحلات السفر بغرض العمل، إذ يطغى حضور الذكاء الاصطناعي في كل مراحل الرحلة، بدءا من التخطيط الأولي والحجز إلى الأنشطة التي سيمارسها المسافر في الوجهة والدعم ما بعد الرحلة، بما في ذلك اختيار شركات الطيران والفنادق المفضلة، وصولا إلى التفضيلات الغذائية والأنشطة الترفيهية.
مستقبل الذكاء الاصطناعي في سفر الشركات
إن مستقبل الذكاء الاصطناعي في مجال السفر للشركات مليء بالإمكانيات المثيرة للاهتمام. وتشير الأبحاث التي أجرتها “سكيفت – Skift” إلى أن رواد قطاع الضيافة يؤمنون بشكل كبير بفوائد أدوات الذكاء الاصطناعي المتطورة، حيث يرى 81% منهم أنها مفيدة، مع إعطاء الأولوية لتطويرها بنسبة 52%. بالإضافة إلى ذلك، 95% واثقون من أن هذه التطورات ستعزز تجارب الضيوف بشكل كبير. وهذا يتوافق مع تقرير “ماكنزي – McKinsey” الذي يشير إلى قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق قيمة كبيرة في دول مجلس التعاون الخليجي، قد تصل إلى 150 مليار دولار، والتي تمثل نسبة كبيرة (9%+) من الناتج المحلي الإجمالي المجمع.
الرسالة هنا واضحة: الذكاء الاصطناعي في مجال السفر للشركات مهيأ للتطور المستمر. ومن أهم التطورات التي يجب توقعها هو ظهور مرافقين للسفر يعملون بالذكاء الاصطناعي. وسيكون هؤلاء المساعدون الافتراضيون متاحين على مدار الساعة للإجابة على الأسئلة وتقديم توصيات خاصة بالوجهة بناء على تفضيلاتك، وترجمة المعلومات بسلاسة عبر اللغات، والتغلب على الحواجز اللغوية التقليدية.
فضلاً عن ذلك، يحمل المستقبل وعداً بتجارب السفر القائمة على الواقع الافتراضي. بدأت تقنية الواقع الافتراضي بالفعل في إحراز بعض التقدم في هذا المجال. على سبيل المثال، تستخدم ناشيونال جيوغرافيك إكسبلور في آر Oculus Quest 2، وهو نظام متطور شامل للواقع الافتراضي تقدمه شركة ميتا، لنقل المستخدمين إلى وجهات بعيدة المدى. وعند دمجها مع الذكاء الاصطناعي، تتمتع هذه التقنيات بالقدرة على تقديم تجارب سفر ممتعة ذات تخطيط استراتيجي.
يمثل هذا التقارب التوجه المستقبلي الرائد في مجال تنظيم الرحلات شديدة التخصص. تخيل تجربة سفر مصممة خصيصاً لتناسب رغباتك الفريدة. وبفضل التطورات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي، قد تتمكن شركات السفر أخيرا من تقديم هذا المستوى من التخصص والذي يثبت جدارتها في عالم الأعمال. في الواقع، يمكن للتوصيات الشخصية القائمة على بيانات المستخدم أن تعزز معدلات التطور في قطاع السفر بنسبة كبيرة بمقدار 23%.
لا شك أن تطور مستقبل سفر الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والعالم مرتبط بشكل وثيق بمدى اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي. وفي ظل استمرار تطور الذكاء الاصطناعي واندماجه بسلاسة في تجارب السفر، يمكننا أن نتوقع المزيد من الكفاءة والتخصص والسلامة والاستدامة للمسافرين من رجال الأعمال، الأمر الذي من شأنه أن يعود بالنفع على الشركات والمسافرين على حد سواء ويساهم في النمو العام لقطاع السفر التجاري وديناميكيته في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
مقال بقلم ستان كلاوي، الرئيس التجاري في “تومودو”، منصة إلكترونية لتسهيل رحلات قطاع الأعمال