في تحول تكنولوجي غير مسبوق، يقترب العلم من تحقيق ما كان يبدو في يوم من الأيام خيالاً علمياً في أفلام السينما، فمنذ سنوات، قدم الفنان محمد سعد في فيلمه الشهير “اللمبي 8 جيجا” فكرة عن زراعة شريحة في جسم الإنسان لتحمل معلومات ومحتوى فكري.
اليوم، تعود هذه الفكرة إلى الواجهة، ولكن هذه المرة عبر تقنية مبتكرة تهدف إلى مراقبة نشاط الدماغ وتشخيص الأمراض العصبية، باستخدام “الوشم الإلكتروني” الذي يمكن تطبيقه على فروة الرأس.
الوشم الإلكتروني
يشهد مجال العلوم الطبية تطورًا كبيرًا، مع استخدام تقنيات حديثة لمراقبة نشاط الدماغ وفحصه، واحدة من هذه التقنيات هي الوشم الإلكتروني، الذي أصبح موضع اهتمام العديد من الباحثين، ويُعد الوشم الإلكتروني ابتكارًا حديثًا يسمح للمستخدمين بتطبيق مادة حساسة على الجلد لقياس نشاط الدماغ.
وتتيح هذه التكنولوجيا تتبع الموجات الدماغية وتحليلها، مما يفتح آفاقًا جديدة لفهم العقل البشري والقدرة على تشخيص مجموعة من الأمراض العصبية.
تم نشر دراسة عن هذه التكنولوجيا الجديدة في 2 ديسمبر 2024 عبر موقع “Live Science”، حيث تم الكشف عن إمكانية طباعة الأقطاب الكهربائية مباشرة على فروة الرأس باستخدام حبر سائل، وهو ما يتيح مراقبة نشاط الدماغ بشكل مباشر ودقيق، هذه الأقطاب الكهربائية، التي تُستخدم كأدوات لتخطيط الدماغ، تساعد في تتبع التغيرات في النشاط الكهربائي للمخ باستخدام أجهزة متصلة.
يتم تطبيق الحبر السائل على الرأس باستخدام طابعة نفث الحبر الرقمية، مما ينتج عنه وشم إلكتروني على شكل طبقة رقيقة جدًا من الحبر على سطح الجلد.
هذه التقنية تتسم بالسرعة، فهي لا تتطلب اتصالًا مباشرًا أو تلامسًا بين الجهاز والجلد، مما يجعلها عملية خالية من الألم، ومن خلال هذه الأقطاب الكهربائية الصغيرة، يمكن تتبع التغيرات في النشاط الكهربائي للدماغ في الوقت الفعلي، مما يسهل تشخيص الحالات العصبية.
وتتسم هذه التقنية بالعديد من المزايا مقارنة بالطرق التقليدية في تخطيط الدماغ، حيث لا تحتاج عملية تطبيق الوشم الإلكتروني إلى الوقت الطويل الذي تستغرقه تقنيات تخطيط الدماغ التقليدية، التي قد تتطلب ساعات عديدة.
كما أن الأقطاب الكهربائية التقليدية كانت تفشل بعد ست ساعات فقط من الاستخدام، بينما يستمر الوشم الإلكتروني في العمل بكفاءة طوال اليوم.
تعتبر هذه التقنية، التي تجمع بين تكنولوجيا الطباعة وأجهزة قياس النشاط الدماغي، من الحلول المبتكرة للكشف عن حالات طبية مثل النوبات، الصرع، وأورام الدماغ، حيث يعمل الوشم الإلكتروني على مراقبة هذه الحالات بشكل مستمر ودقيق، مما يسهم في توفير تشخيصات أفضل، خاصة في الحالات العصبية التي تتطلب متابعة دقيقة، مقارنة بالطرق التقليدية، يسهم الوشم الإلكتروني في تسريع عملية التشخيص وتوفير الوقت للمرضى والأطباء.
يمكن للوشم الإلكتروني أيضًا مراقبة عدد من الوظائف الجسدية الأخرى مثل معدل ضربات القلب، نشاط العضلات، ودرجة حرارة الجلد، تعد هذه القدرة على مراقبة عدة وظائف حيوية من أبرز مزايا هذه التقنية، حيث تمكّن الأطباء من الحصول على بيانات متعددة في وقت واحد، ما يسهل اتخاذ قرارات طبية دقيقة وسريعة.
من المتوقع أن تُحدث هذه التقنية ثورة في عالم الطب والعلاج العصبي، حيث يُمكن أن تسهم في تحسين عمليات التشخيص المبكر للأمراض العصبية والمعرفية، مما يُعزز فرص علاجها.
كما أن تقنيات مثل الوشم الإلكتروني يمكن أن تكون جزءًا من حلول المستقبل التي تهدف إلى مراقبة الصحة بشكل مستمر، وبالتالي تقليل الضغط على النظام الصحي بشكل عام.
تعتبر هذه التقنية الجديدة خطوة مهمة نحو تحسين جودة الحياة للمرضى الذين يعانون من حالات عصبية أو الذين يحتاجون إلى مراقبة طويلة الأمد لنشاط دماغهم.
ومع تزايد قدرة هذه التقنيات على دمج التكنولوجيا الرقمية في مجال الرعاية الصحية، يصبح من الممكن أن نشهد تغييرات جذرية في كيفية تعامل الأطباء مع المرضى وتحسين قدرتهم على مراقبة صحتهم بشكل مستمر ودقيق.
في الختام، يمثل “الوشم الإلكتروني” طفرة تقنية تهدف إلى إحداث تغييرات كبيرة في مجالات الرعاية الصحية والعلاج العصبي، ومع استمرار الأبحاث وتطور هذه التقنيات، قد نرى مستقبلاً تصبح فيه هذه التقنية أداة أساسية في تشخيص وعلاج الأمراض العصبية بأقل التكاليف وأسرع الطرق.