قبل عامين، أطلقت شركة OpenAI روبوت الدردشة الذكي ChatGPT، والذي سرعان ما أصبح حجر الزاوية للثورة التي شهدتها صناعة التكنولوجيا، محققًا تأثيرًا غير مسبوق في مختلف المجالات التقنية.
ومنذ ذلك الحين، تحول الذكاء الاصطناعي من مجرد فكرة في عالم البحث العلمي إلى محرك رئيسي للابتكار الاستثماري، مؤثرًا بشكل كبير على الاقتصاد والصناعة والسياسة.
في هذا التقرير، نلقي نظرة شاملة على كيفية تطور القطاع التقني بعد مرور عامين على هذا الإنجاز، ونستعرض أبرز التحولات والإنجازات التي حققتها OpenAI في عام 2024، إلى جانب التحديات المستقبلية التي قد تواجهها.
تطور استثمارات الذكاء الاصطناعي في عام 2024
منذ إطلاق ChatGPT، شهدت استثمارات الذكاء الاصطناعي طفرة غير مسبوقة، فعلى سبيل المثال، بلغت نسبة الاستثمارات التي وجهت نحو شركات الذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة حوالي 35% من إجمالي الاستثمارات في الشركات الناشئة، وهو ما يعدّ أكبر نسبة تم تسجيلها حتى الآن، هذه النسبة كانت أعلى حتى من عام 2023، الذي شهد ضخ استثمارات ضخمة في OpenAI من شركة مايكروسوفت بلغت 10 مليارات دولار.
تُعد شركة OpenAI من أبرز المستفيدين من هذا الاهتمام، حيث بلغت قيمتها السوقية الآن نحو 157 مليار دولار، وقد أعلن سام ألتمان، الرئيس التنفيذي للشركة، عن تجاوز ChatGPT لحاجز الـ 300 مليون مستخدم نشط أسبوعيًا، وهو إنجاز غير مسبوق في تاريخ التطبيقات الذكية.
شهد عام 2024 توسعًا هائلًا في استخدامات الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت تقنيات مثل ChatGPT جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية، تم دمج الذكاء الاصطناعي في العديد من المجالات مثل الرعاية الصحية، والتعليم، والصناعات المالية، ما أدى إلى ظهور تطبيقات جديدة تُسهم في تحسين الكفاءة وتقليل التكاليف.
مع هذه التحولات، بدأت كبرى الشركات التقنية مثل جوجل ومايكروسوفت وأمازون في استثمار المزيد من الموارد في تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، مما عزز هيمنتها على السوق.
ورغم الزيادة الكبيرة في استثمارات الذكاء الاصطناعي، إلا أن التفاوت في توزيع العوائد يظل واضحًا، الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وإنفيديا شهدت ارتفاعًا هائلًا في قيمتها السوقية، بينما تواجه الشركات الصغيرة تحديات أكبر، إذ تواجه صعوبة في التنافس مع اللاعبين الكبار الذين يسيطرون على سوق النماذج اللغوية الكبيرة.

وقد سجلت إنفيديا، على سبيل المثال، نموًا مذهلًا في أسهمها تجاوز 850% منذ نهاية عام 2022، لتصبح واحدة من أكبر ثلاث شركات في العالم، وهو ما يعكس كيف أن قلة من الشركات استطاعت جني معظم ثمار هذه الثورة.
مع زيادة نفوذ الذكاء الاصطناعي في مختلف الصناعات، بدأت الحكومات في الاهتمام بتنظيم هذا القطاع، في الولايات المتحدة، بدأت إدارة الرئيس جو بايدن في وضع معايير جديدة تهدف إلى ضمان سلامة وأمن تقنيات الذكاء الاصطناعي، وقد يشهد العام المقبل مزيدًا من التشريعات التي تهدف إلى وضع إطار تنظيمي يضمن الاستخدام الآمن لهذه التقنيات.
لكن التحديات التنظيمية لا تقتصر على الولايات المتحدة فقط، إذ بدأت دول أخرى في التفكير في كيفية التحكم في هذه التكنولوجيا المتقدمة، وهو ما يعكس الوعي المتزايد حول المخاطر التي قد تترتب على الاستخدام المفرط أو غير المنظم للذكاء الاصطناعي.
شهد عام 2024 أيضًا العديد من الإنجازات لشركة OpenAI، من أبرز هذه الإنجازات إطلاق إصدارات جديدة من نموذج GPT-4، مثل GPT-4o و GPT-4o Mini، التي حسنت قدرة ChatGPT على التعامل مع النصوص والأوامر الصوتية والصور، كما أطلقت الشركة نموذج o1 الذي يساعد في حل المشكلات المعقدة في مجالات مثل العلوم والرياضيات والبرمجة.
وفي خطوة جديدة، قدمت الشركة أداة “SearchGPT”، التي جمعت بين إمكانيات الذكاء الاصطناعي في البحث والتحليل مع معلومات متعددة من الإنترنت، لتوفر إجابات فورية على استفسارات المستخدمين دون الحاجة إلى النقر على روابط أخرى.
ومع ذلك، رغم هذه الإنجازات، لا يزال محرك بحث SearchGPT بحاجة إلى مزيد من التحسينات ليصل إلى مستوى محرك البحث جوجل.
على الرغم من النجاح الباهر الذي حققته OpenAI في السنوات الماضية، فإن عام 2024 شهد تحديات كبيرة على الصعيدين الداخلي والخارجي، فقد شهدت الشركة مغادرة عدد من كبار المسؤولين التنفيذيين، بما في ذلك المؤسسون المشاركون والعلماء البارزون، مما أثار قلقًا بشأن أولويات الشركة المستقبلية، إضافة إلى ذلك، تواجه الشركة تحديات قانونية تتعلق بحقوق الطبع والنشر من بعض شركات الأخبار الأمريكية.
من أبرز التحديات التي يواجهها الذكاء الاصطناعي بشكل عام، تباطؤ وتيرة التقدم في تقنيات النماذج اللغوية الكبيرة، رغم أن بعض التوقعات تشير إلى أن النموذج القادم من OpenAI، المعروف باسم “Orion”، قد لا يحقق القفزة النوعية التي شهدها الإصدار الأخير GPT-4، فإن الشركة ما تزال تتطلع إلى تحسين تقنياتها بشكل مستمر.
في المستقبل القريب، يتوقع أن يشهد ChatGPT العديد من التطورات والتحسينات، من بين أبرز التوقعات، إطلاق إصدارات جديدة من نموذج GPT قد تتفوق في قوتها على GPT-4 الحالي بمقدار يصل إلى 100 مرة.
كما يركز فريق OpenAI على تطوير “وكلاء الذكاء الاصطناعي” الذين يستطيعون أداء مهام متعددة بشكل مستقل، وهو ما قد يعزز قدرات ChatGPT بشكل كبير.
ومن المتوقع أيضًا أن يتم إطلاق نموذج “Sora” لتوليد الفيديو في وقت لاحق من هذا العام، مما قد يفتح أفقًا جديدًا لاستخدام الذكاء الاصطناعي في إنشاء المحتوى المرئي.