يشهد قطاع الإنترنت الفضائي سباقًا محمومًا بين الشركات الكبرى التي تسعى للسيطرة على السوق العالمية وتوفير خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية. فبعد أن تربعت ستارلينك التابعة لإيلون ماسك على عرش هذه الصناعة منذ عام 2020 بإطلاقها آلاف الأقمار الصناعية في المدار المنخفض (LEO)، بدأت المنافسة تتزايد بوتيرة سريعة مع دخول لاعبين جدد إلى الساحة، أبرزهم الصين بمشاريعها الطموحة، بالإضافة إلى مشروع كويبر التابع لجيف بيزوس مؤسس أمازون وشركات أخرى مثل تيلي سات الكندية.
وتأتي هذه المنافسة في ظل الطلب المتزايد على خدمات الإنترنت عالي السرعة، خصوصًا في المناطق النائية والدول النامية التي تحتاج إلى بنية تحتية رقمية متقدمة. كما أن للسباق الفضائي بُعدًا جيوسياسيًا واستراتيجيًا، حيث تسعى الدول الكبرى إلى تأمين مكانتها في هذا المجال وتعزيز سيطرتها الرقمية عبر نشر آلاف الأقمار الصناعية.
الصين تدخل السباق بقوة عبر “سبيس سيل”
تُعد الصين المنافس الأكثر طموحًا لـ ستارلينك، حيث عززت وجودها في قطاع الإنترنت الفضائي عبر شركة سبيس سيل، المدعومة من الحكومة الصينية. وفي نوفمبر 2024، أعلنت الشركة عن توقيع اتفاقية لدخول السوق البرازيلية، وهو ما يشير إلى نواياها التوسعية خارج حدود الصين. كما أنها تجري محادثات مع أكثر من 30 دولة، وبدأت العمل بالفعل في كازاخستان بعد شهرين فقط من إعلانها عن خططها، بحسب السفارة الكازاخية في بكين.
ووفقًا لبيانات عالم الفيزياء الفلكية جوناثان مكدوال، فقد أطلقت الصين 263 قمرًا صناعيًا في المدار المنخفض خلال عام 2024، مما يجعلها منافسًا جادًا لـ ستارلينك. كما تخطط سبيس سيل لنشر 648 قمرًا صناعيًا إضافيًا في عام 2025، على أن تصل إلى 15 ألف قمر بحلول عام 2030، ضمن خطة الصين لتعزيز وجودها الفضائي.
أمازون و”كويبر”.. منافس أمريكي جديد
إلى جانب المنافسة الصينية، يبرز مشروع كويبر التابع لشركة أمازون، والذي يسعى لتوفير خدمات الإنترنت عبر الأقمار الصناعية. وتجري البرازيل محادثات منفصلة مع كويبر وشركة تيلي سات الكندية لتوسيع نطاق خدمات الإنترنت عالي السرعة، مما يزيد من حدة التنافس في هذا المجال.
ورغم أن أمازون لم تصل بعد إلى مستويات ستارلينك، إلا أن خبرتها في الحوسبة السحابية والبنية التحتية الرقمية تمنحها فرصة كبيرة لمنافسة ماسك في المستقبل، خاصة إذا تمكنت من تحقيق الانتشار المطلوب.
تفوق ستارلينك وتوسعها المستمر
على الرغم من المنافسة الشرسة، لا تزال ستارلينك تتصدر المشهد، حيث تمتلك ما يقارب 7 آلاف قمر صناعي في المدار المنخفض، وهو عدد يفوق جميع منافسيها مجتمعين. وتطمح الشركة إلى توسيع شبكتها لتصل إلى 42 ألف قمر بحلول نهاية العقد الحالي، مما سيعزز هيمنتها على الإنترنت الفضائي.
وتتميز ستارلينك بقدرتها على تقديم إنترنت عالي السرعة حتى في أصعب الظروف، كما أنها أثبتت فعاليتها في دعم الاتصالات العسكرية، مثلما حدث في أوكرانيا. هذا يجعلها الخيار الأول للدول التي تبحث عن حلول موثوقة للاتصال في المناطق النائية أو في ظل الحروب والكوارث الطبيعية.
الصين واستراتيجية الفضاء ضمن مبادرة “الحزام والطريق”
لا يقتصر الطموح الصيني في الفضاء على مجرد توفير الإنترنت، بل يأتي ضمن استراتيجية أوسع لتعزيز النفوذ الرقمي ضمن مبادرة الحزام والطريق. فإلى جانب المنافسة مع ستارلينك، تخطط الصين لإطلاق 43 ألف قمر صناعي في العقود القادمة، إلى جانب استثمارات ضخمة في صواريخ قادرة على حمل أقمار متعددة دفعة واحدة، مما سيعزز قدرتها على نشر شبكتها الفضائية بسرعة أكبر.