أعلنت الصين عن بدء استخدام بروتوكول تحويل مالي جديد بديلًا عن نظام SWIFT العالمي، في خطوة تمثل تحولًا جذريًا في مشهد النظام المالي الدولي.
هذه الخطوة، التي بدت في ظاهرها كتحديث تقني بسيط، تحمل في طياتها تغييرات استراتيجية كبرى تهدف إلى إعادة هيكلة النظام المالي العالمي على أسس من الاستقلال المالي، السيادة، الشفافية، والتسريع الرقمي.
الصين تتحرر من قبضة النظام الغربي
قررت الصين الخروج من عباءة SWIFT، لأسباب متعددة تتعلق بالسيطرة الغربية على البيانات المالية والتحويلات الدولية.
نظام SWIFT، الذي تتحكم فيه بنوك ومؤسسات مالية غربية، استُخدم مرارًا كأداة ضغط سياسي لعزل بعض الدول عن المنظومة المالية الدولية. بالنسبة للصين، التي تخوض مواجهة اقتصادية وجيوسياسية مفتوحة مع الولايات المتحدة، يمثل هذا النظام نقطة ضعف استراتيجية.
اليوان الرقمي في قلب المشروع الصيني الجديد
سعت الصين، عبر بروتوكولها المالي الجديد القائم على تكنولوجيا البلوكتشين، إلى تعزيز مكانة اليوان الرقمي عالميًا. هذا البروتوكول يُوفر وسيلة دفع آمنة، سريعة، وموثوقة، ولا تخضع لعقوبات أو تقلبات الدولار الأمريكي، مما يُتيح للصين تسويق عملتها كخيار بديل للتمويل والتجارة الدولية.
تعزيز الشفافية وتقوية الرقابة المحلية
اعتمدت الصين على بنية تحتية حديثة قائمة على تقنيات البلوكتشين، تُمكنها من تسجيل التحويلات لحظيًا وبشفافية تامة. هذه البنية تتيح مراقبة شاملة لحركة الأموال، وتُمكن من مكافحة غسيل الأموال من داخل النظام، دون الاعتماد على تدخلات خارجية أو رقابة غربية على الحسابات.
تأثير التحول الصيني على الدول العربية والدول النامية
فرص للدول ذات النفوذ المالي المحدود
تُعاني العديد من الدول العربية والأفريقية من صعوبات في التحويلات المالية الدولية، سواء بسبب ضعف الثقة في أنظمتها البنكية أو بسبب القيود المفروضة على تحويل الدولار وارتفاع رسوم التحويل.
يُقدم البروتوكول الصيني الجديد حلًا ثوريًا عبر إمكانية إجراء التحويلات خلال ثوانٍ، دون وسطاء غربيين وبشفافية عالية، مما قد يُحدث تحولًا في التجارة البينية، وحركة رؤوس الأموال، والاستثمارات.
كسر التبعية للدولار الأمريكي
مع تبني بعض الدول العربية للبنية الصينية الجديدة، مثل الإمارات، السعودية، مصر أو المغرب، قد تتقلص الحاجة إلى الاحتياطي بالدولار، وهو ما قد يُساهم في بناء نظام مالي أكثر مرونة وتنوعًا، يُقلل من المخاطر المرتبطة بالعملة الأمريكية.
تمكين السيادة المالية وتعزيز الأمن الاقتصادي
يُتيح البروتوكول الصيني الجديد للدول التحكم الكامل ببياناتها المالية، ومراقبة تدفقات الأموال بدقة متناهية، مما يُقلل من الاعتماد على شبكات التحويل الخارجية، ويُعزز من قدرة الحكومات على مكافحة الفساد والتهرب الضريبي من داخل حدودها.
تحديات في طريق النظام المالي الصيني الجديد
رغم ما يحمله النظام الجديد من فرص هائلة، إلا أن هناك عددًا من التحديات التي ينبغي أخذها في الاعتبار:
- الضغوط الغربية: من المحتمل أن تواجه الدول التي تتبنى النظام الصيني ضغوطًا دبلوماسية أو اقتصادية من قبل الدول الغربية.
- الاعتماد التقني على الصين: على الرغم من الشفافية الموعودة، فإن تحكم الصين بالبنية التقنية يثير تساؤلات حول الحياد والسيادة التقنية.
- النقص في الأطر القانونية: لا تزال بعض الدول لم تُقنن التعاملات عبر تكنولوجيا البلوكتشين بشكل كامل، مما يفتح الباب أمام ثغرات قانونية.
هل تتجه الدول العربية لاعتماد النظام الصيني؟
تتوقف الإجابة على عدة عوامل، من أبرزها مدى استقلال القرار السياسي، وحاجة الدول إلى نظم تحويلات أكثر كفاءة وأقل تكلفة، ورغبتها في تنويع علاقاتها المالية وتقليل الاعتماد على الدولار.
الدول الأكثر احتمالًا لتبني النظام الجديد في مراحله الأولى تشمل:
- الإمارات وقطر: نظرًا لانفتاحهما على التكنولوجيا الحديثة وسرعة تبني الابتكارات المالية.
- السعودية: في إطار رؤيتها الاقتصادية الطموحة 2030، والتي تسعى لتنويع مصادر الدخل.
- دول شمال إفريقيا: مثل مصر والمغرب، إذا ثبت أن النظام الجديد يساعد في تخفيف عبء التعامل بالدولار.