بات السؤال الأكثر إلحاحاً في الأسواق، مساء اليوم الخميس، لماذا خفض البنك المركزي أسعار الفائدة، بمقدار 225 نقطة أساس (2.25%) ليصبح سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة 25.00% و26.00% على الترتيب، وذلك تماشياً مع معظم توقعات المحللين.
وجاء قرار المركزي بعد 7 اجتماعات ثبت فيها سعر الفائدة منذ مارس 2024، ويعد هذا الخفض هو الأول منذ نوفمبر 2020.
وخفض البنك المركزي المصري، خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية الثاني لهذا العام، أسعار الفائدة لأول مرة منذ أكثر من 4 سنوات من أعلى مستوى تاريخي لها، متوافقاً مع التوقعات.
خفض أسعار الفائدة بواقع 225 نقطة
قررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري، باجتماعها اليوم الخميس، خفض أسعار العائد الأساسية بواقع 225 نقطة أساس، ليصل سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي إلى 25% و26% و25.5%، على الترتيب. كما قررت خفض سعر الائتمان والخصم بواقع 225 نقطة أساس ليصل إلى 25.50%.
أوضح البنك المركزي في البيان المرافق لقرار السياسة النقدية أن خفض أسعار العائد الأساسية بواقع 225 نقطة أساس يُعد “مناسباً للحفاظ على سياسة نقدية ملائمة تهدف إلى ترسيخ التوقعات ودعم المسار النزولي المتوقع للتضخم”.
وأشار المركزي المصري إلى أن الأداء الشهري لمعدل التضخم منذ بداية العام “بدأ في الاقتراب من نمطه المعتاد تاريخياً، مما يشير إلى تحسن توقعات التضخم”، متوقعاً أن يستمر التضخم في الانخفاض خلال عامي 2025 و2026، “وإن كان بوتيرة أبطأ مقارنة بالربع الأول من 2025”.
توقعات التضخم عرضة لمخاطر صعودية
وفي الوقت نفسه، ألمح البنك المركزي المصري إلى أن توقعات التضخم عُرضة لمخاطر صعودية “في ظل احتمال تجاوز إجراءات ضبط المالية العامة تأثيرها المتوقع، فضلا عن حالة عدم اليقين بشأن تأثير الحرب التجارية الصينية الأميركية الحالية والتصعيد المحتمل للصراعات الجيوسياسية الإقليمية”.
القرار جاء متماشياً مع آراء 11 بنكاً استثمارياً، أجمعت على أن البنك المركزي المصري سيخفض أسعار الفائدة خلال اجتماعه اليوم، بدعم من تباطؤ وتيرة التضخم في البلاد، وسط حذر مدفوع بحالة عدم اليقين إزاء أوضاع التجارة العالمية، بعد قرارات الرسوم الجمركية الصادرة عن الولايات المتحدة وردود الأفعال عليها.
آخر خفض للمركزي المصري لسعر الفائدة
في 12 نوفمبر 2020، شهد آخر خفض للمركزي المصري لسعر الفائدة بنسبة 0.5% على الجنيه قبل أن يعود البنك المركزي إلى رفع وتيرة سعر الفائدة بإجمالي 1900 نقطة أساس من مارس 2022 حتى مارس 2024.
على مدار العام الماضي، عقد البنك المركزي 8 اجتماعات بشأن الفائدة، قرر في 6 اجتماعات متتالية منها الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75% على الترتيب، بعد زيادة كبيرة لأسعار الفائدة في فبراير ومارس بمجموع 800 نقطة أساس.
المخاطر الصعودية المحيطة بالتضخم
كان البنك المركزي أعلن في آخر اجتماع له في 2024 تمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة إلى الربع الرابع من 2026 والربع الرابع من 2028 عند 7% (بارتفاع أو انخفاض 2%) و5% (بارتفاع أو انخفاض 2%) في المتوسط على التوالي، وذلك اتساقاً مع التقدم التدريجي للبنك المركزي نحو اعتماد إطار متكامل لاستهداف التضخم، وفق البيان المرافق لقرار لجنة السياسات النقدية.
وأكد البنك المركزي حينها أن الإبقاء على أسعار العائد الأساسية دون تغيير يُعد “ملائماً حتى يتحقق انخفاض ملحوظ ومستدام في معدل التضخم، بما يؤدي إلى ترسيخ التوقعات وتحقيق معدلات التضخم المستهدفة”.
ارتفاع الفارق بين معدل الفائدة والتضخم
ويرى محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في “إي إف جي القابضة” أن قرار المركزي بتيسير السياسة النقدية جاء مدفوعاً بارتفاع الفارق بين معدل الفائدة والتضخم، تحسباً للتحديات العالمية الراهنة وحالة القلق التي تشهدها التجارة.
بدورها، أشارت إسراء أحمد، المحللة الاقتصادية بشركة “الأهلي فاروس”، إلى اتساع الفارق الإيجابي في معدلات الفائدة الحقيقية، والذي كان نتيجة طبيعية لتباطؤ التضخم بفعل تأثير سنة الأساس.
تباطأ ارتفاع أسعار المستهلكين بمدن مصر بوتيرة حادة من 24% في يناير إلى 12.8% في فبراير، قبل أن يتسارع قليلاً إلى 13.6% في مارس.
وبعد قرار البنك المركزي اليوم الخميس، يبلغ سعر الفائدة الحقيقي -أي معدل الفائدة الاسمي مطروحاً منه معدل التضخم- نحو (11.75%).
خفض كلفة الديون
تجدر الإشارة إلى أنه من شأن خفض الفائدة أن يقلل من كلفة ديون مصر. إذ أظهرت تقديرات بموازنة مصر للعام المالي 2024/2025 أن زيادة الفائدة بنسبة 1% تكلف الموازنة ما بين 75 إلى 80 مليار جنيه سنوياً بتكلفة الدين، وهو ما يعني أن خفض الفائدة الذي أقره البنك المركزي المصري اليوم بواقع 225 نقطة أساس سيقلص تكلفة الدين بما يصل إلى 175 مليار جنيه سنوياً.
زيادة أسعار الوقود
وتجدر الإشارة إلى أن تسارع التضخم في مارس الماضي جاء قبل زيادات حكومية لأسعار البنزين والسولار، وقد يؤثر على القراءات الخاصة بالتضخم خلال الفترة المقبلة.
الأسبوع الماضي رفعت مصر، للمرة الثانية خلال 6 أشهر، أسعار المواد البترولية، متوقعة أن تحقق وفراً قدره 35 مليار جنيه في ميزانية السنة المالية الحالية 2024-2025.
وشملت زيادة الأسعار جميع أنواع البنزين والسولار، وبلغت قيمة الزيادة جنيهين للتر.
وجاء ذلك بعد أن شهدت الأسواق في أنحاء العالم والمنطقة تقلبات عنيفة، بعد فرض رسوم جمركية أميركية شاملة طالت مصر بحدها الأدنى عند 10%.
وأعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترمب قبل أسبوعين تعليق الرسوم المرتفعة التي شملت عشرات الشركاء التجاريين للولايات المتحدة لمدة 90 يوماً، بينما رفع الرسوم على الصين إلى 125%. جاء تراجع ترمب عن موقفه بعد حوالي 13 ساعة من دخول الرسوم الجمركية على 56 دولة والاتحاد الأوروبي حيز التنفيذ مما أثار مخاوف بشأن ارتفاع التضخم، وركود الاقتصاد العالمي.