يشهد الدولار تراجعاً ملحظًا إثر الحرب الجمركية التي يشنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على خصومه التجاريين، غير أنه لا يزال في الوقت الراهن يحافظ على موقعه كعملة لا غنى عنها في المبادلات التجارية والاحتياطات العالمية، وسط موجات تصاعدية للتخلي عنه كملاذ استثماري آمن.
ضربات قوية للعملة الأمريكية “الدولار”
وتلقت العملة الأمريكية ضربات قوية هذا الأسبوع بسبب تضارب الإشارات بشأن خفض التصعيد في العلاقات المتوترة بين واشنطن وبكين.
وأشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الثلاثاء لإمكانية تهدئة حرب الرسوم الجمركية المتبادلة وأكد أن هناك محادثات مباشرة تجري بالفعل. ونفت بكين لاحقًا بدء هذه المناقشات، وفق وكالة “رويترز”.
وتسبب ترامب في موجة تراجع للدولار مطلع الأسبوع عندما هدد بإقالة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) جيروم باول لعدم خفضه أسعار الفائدة بالسرعة الكافية. وعاد الدولار للارتفاع يوم الثلاثاء عندما قال ترامب إنه لم يكن ينوي أبدًا الاستغناء عن رئيس البنك المركزي.
من يهز عرش الدولار؟
ولكن لا تزال العملة الخضراء التي تستمد قوتها من النفوذ الاقتصادي والسياسي للولايات المتحدة الوسيلة الأوسع انتشارا للتحوط في أوقات الأزمات أو النزاعات.
وكانت تشكل في الربع الأخير من العام 2024 حوالي 58 % من احتياطي الصرف في المصارف المركزية حول العالم، بحسب صندوق النقد الدولي. وهي نسبة عالية من دون شك لكنها تدنت مقارنة بالعام 1999 عندما كانت تبلغ 71 %.
وعلى الصعيد العالمي، تتم قرابة نصف المدفوعات الدولية بين البنوك بالدولار الأمريكي، في مقابل 22 % باليورو و7 % بالجنيه الإسترليني و4 % باليوان الصيني، بحسب معطيات من شبكة “سويفت” تعود إلى شباط/فبراير.
كما إن كثيرا من المواد الأولية الأساسية، مثل النفط، يُسعّر بالدولار، ما يعزز من موقع العملة المركزي في التجارة العالمية.
التراجع الأخير للدولار
غير أن التراجع الأخير في قيمة العملة الأمريكية على وقع تهاوي الأسواق ينعكس سلبا “ولو مؤقتا” على كونه ملاذا آمنا، على حساب أصول أخرى تعد أكثر أمنا مثل الفرنك السويسري والين الياباني والذهب، حسب ما قال راين شحرور الأستاذ المحاضر في جامعة كورنيل الأمريكية في تصريحات لوكالة الأنباء الفرنسية.
وخسر الدولار حوالي 4 % من قيمته مقابل اليورو خلال بضعة أيام بعد سريان دفعة جديدة من الزيادات الجمركية الأمريكية في 9 نيسان/أبريل.هيمن الجنيه الإسترليني لفترة طويلة على المبادلات الدولية بدفع من القوة الصناعية لبريطانيا اعتبارا من القرن التاسع عشر.
لكن بعد الحرب العالمية الثانية، كانت أوروبا المدمرة بحاجة ماسة إلى سيولة. وفي المقابل، كانت الولايات المتحدة في موقع قوة.
ففرض الدولار نفسه عملة مرجعية جديدة في إطار اتفاقات بريتون-وودز سنة 1944 التي أرست أسس النظام النقدي العالمي. واختارت بلدان كثيرة ربط عملتها به.
قوة العملة الخضراء
ويتيح الطلب على الدولار للولايات المتحدة الاقتراض بلا حدود من حيث المبدأ وتبقى ديونها حتى اليوم بين أيدي مستثمرين أجانب إلى حد بعيد.
واعتُبر هذا الوضع “امتيازا هائلا” بحسب وصف فاليري جيسكار ديستان في الستينيات، حين كان وزير المال في فرنسا قبل انتخابه رئيسا للجمهورية الفرنسية.
لكن قوة العملة الخضراء تزيد من كلفة الصادرات الأمريكية على حساب ميزتها التنافسية. وينوي ستيفن ميران مستشار الرئيس دونالد ترامب إطلاق إصلاح عالمي واسع النطاق لخفض قيمة الدولار.
وفي المقابل، باشرت بنوك مركزية في فك الارتباط بالدولار في احتياطها، لأسباب عدة أبرزها أن الاتكال على الدولار يسهل فرض عقوبات أمريكية ودولية على البلدان والشركات، كما تجلى وقت تجميد احتياطات الصرف الروسية في الخارج بعد غزو أوكرانيا في مطلع 2022.