تلقت الأسواق العالمية تأثيراً إيجابياً من صدى المحادثات بين الصين وأمريكا في جنيف، بعد سلسلة من الإجراءات لتعديل التعريفات الجمركية بهدف تخفيف التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
اجتماع رفيع المستوى بين الصين وأمريكا
وذكر بيان مشترك أن هذا القرار جاء عقب اجتماع رفيع المستوى بين الصين والولايات المتحدة حول الشؤون الاقتصادية والتجارية استمر لمدة يومين، حيث أقر الجانبان بأهمية العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والولايات المتحدة بالنسبة إلى البلدين والاقتصاد العالمي، مشيرًا إلى أن الجانبين أكدا ضرورة بناء علاقات اقتصادية وتجارية مستدامة وطويلة الأمد ومتبادلة المنفعة، وفقا لوكالة «شينخوا».
وأجري مسؤولون من واشنطن وبكين ابتداءً من السبت الماضي محادثات لاحتواء حرب تجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، ويأتي الاجتماع في جنيف بسويسرا بعد أسابيع شهدت توترًا متصاعدًا أدى إلى ارتفاع كبير في الرسوم الجمركية على الواردات بين البلدين.
وتلقت الأسواق ردود فعل إيجابية على صعيد سوق الأسهم الآسيوية، سجلت الأسهم الصينية مكاسب متواضعة وارتفع اليوان، وسط مؤشرات على تراجع حدة التوترات التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم.
صعود الأسهم الآسيوية
وصعد مؤشر “هانغ سنغ” للشركات الصينية بنسبة وصلت إلى 1.5%، بينما ارتفع مؤشر “سي إس آي 300″ (CSI 300) بنسبة 0.6% خلال التداولات المبكرة يوم الإثنين. ويقترب المؤشران من تعويض خسائرهما بالكامل منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم 2 أبريل عن فرض رسوم جمركية، في ما سُمِّي بـ”يوم التحرير”.
وجاء هذا الافتتاح الإيجابي بعد أن أعلنت كل من الصين والولايات المتحدة عن “تقدم كبير” في المحادثات التي جرت خلال عطلة نهاية الأسبوع، في أوضح إشارة حتى الآن إلى إمكانية تجنب مزيد من التصعيد في الحرب التجارية بين البلدين. لكن مستثمرين واستراتيجيين قالوا إنهم بحاجة إلى مزيد من التفاصيل حول طبيعة التقدم المُحرز، قبل أن يتحولوا إلى التفاؤل الكامل.
المستثمرون يبحثون عن تفاصيل
قال نيك تويديل، كبير المحللين في “إيه تي غلوبال ماركتس”: “نحتاج فعلاً إلى رؤية التفاصيل، وهي التي ستسمح للمستثمرين بتقييم حجم التأثير المحتمل على السوق مستقبلاً”، مضيفاً أن “الأنباء التي وردت خلال عطلة نهاية الأسبوع إيجابية جداً للأسواق الصينية بشكل عام”.
وكان وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت قد صرّح أن الولايات المتحدة ستكشف مزيداً من التفاصيل يوم الإثنين. أما نائب رئيس الوزراء الصيني خه ليفينغ فقال إن البلدين اتفقا على إنشاء آلية لمواصلة المحادثات، وأعلنا عزمهما إصدار بيان مشترك.
في الأثناء، ارتفع اليوان قليلاً مقابل الدولار في السوق الداخلية، بينما تراجعت السندات السيادية الصينية القياسية.
“إعادة ضبط شاملة”
التحركات المحدودة نسبياً في الأسهم الصينية قد تعود إلى أن الأسواق كانت قد سعّرت بالفعل احتمال تحقيق بعض التقدم خلال المحادثات التجارية.
ورغم أن أياً من الطرفين لم يعلن عن إجراءات محددة خلال عطلة نهاية الأسبوع، إلا أن الرسالة كانت واضحة بأن هناك تقدماً حقيقياً على مسار التهدئة في النزاع التجاري الذي أربك الأسواق العالمية ودفع المستثمرين نحو أصول الملاذ الآمن.
ووصف ترمب المحادثات في منشور عبر وسائل التواصل الاجتماعي بأنها “إعادة ضبط شاملة تم التفاوض عليها بطريقة ودية ولكن بناءة”.
وقال جيرالد غان، مدير المحافظ في “ريد كابيتال بارتنرز”: “يبدو أن الطرفين أصبحا أكثر وعياً بأن التعاون في نهاية المطاف يخدم مصلحة كل دولة”.
تحركات إيجابية في الأسواق الآسيوية
كانت موجة الارتفاع في السوق الصينية جزءاً من تحركات إيجابية أوسع في الأسواق الآسيوية، مع تنفس المتداولين الصعداء بعد شهور من الاضطرابات المرتبطة بالرسوم.
كما قفزت العقود الآجلة للأسهم الأميركية خلال ساعات التداول الآسيوية، حيث ارتفعت عقود مؤشر “إس آند بي 500” بنحو 1.4%.
تعرضت الأسهم الصينية لضربة قاسية عقب إعلان ترمب عن “يوم التحرير” والرسوم الجمركية، ما أشعل سلسلة من الإجراءات والردود المضادة بين البلدين. وانخفض مؤشر هونغ كونغ للأوراق المالية “إتش إس سي إيه آي” (HSCEI) بنسبة 14% في 7 أبريل، في أسوأ يوم لسوق هونغ كونغ منذ عام 1997.
ارتفاع أسعار النفط
ارتفعت أسعار النفط بعدما أعلنت كل من الولايات المتحدة والصين عن “تقدم كبير” في أعقاب يومين من المحادثات الهادفة إلى تهدئة الحرب التجارية، في إشارة إلى احتمال التوصل إلى حل للنزاع الذي يهدد الطلب في أكبر بلدين مستهلكين للخام في العالم.
وارتفع خام “برنت” إلى ما فوق 64 دولاراً للبرميل، بعد أن سجل الأسبوع الماضي أول مكسب أسبوعي له في ثلاثة أسابيع، فيما اقترب خام “غرب تكساس” الوسيط من مستوى 61 دولاراً.
وبعد المفاوضات التي جرت في جنيف، قال وزير الخزانة الأميركي سكوت بيسنت والممثل التجاري جايمسون غرير، إنهما متفائلان بالتقدم الحاصل، وإن مزيداً من التفاصيل سيُعلَن يوم الإثنين، وهي أجواء إيجابية انعكست أيضاً في تصريحات الجانب الصيني.
وكانت أسعار الخام قد استعادت جزءاً من خسائرها بعد تراجع حاد مطلع الشهر الماضي، على خلفية المخاوف من أن تؤدي الحرب التجارية التي أطلقها الرئيس دونالد ترمب إلى إبطاء النمو الاقتصادي، وذلك رغم زيادة إنتاج “أوبك+”.
ولا تزال أسعار العقود الآجلة منخفضة بأكثر من الخُمس مقارنة بذروتها في منتصف يناير، في ظل توقعات بانخفاض الطلب وزيادة المعروض، وهو ما يعزز احتمالات تخمة في الإمدادات خلال وقت لاحق من العام الجاري.
التوترات الجيوسياسية لا تزال حاضرة
تبقى التوترات الجيوسياسية حاضرة. إذ من المقرر أن تواصل الولايات المتحدة وإيران محادثاتهما بشأن برنامج طهران النووي، بعد نقاشات جرت الأحد وصفها الجانب الأميركي بأنها “مشجعة”، بينما اعتبرتها طهران “صعبة ولكن مفيدة”.
وكانت واشنطن قد فرضت الأسبوع الماضي عقوبات على مصفاة نفط ثالثة في الصين، متهمةً إياها بتسهيل تجارة النفط الإيراني.
في الوقت نفسه، تصل الجهود الرامية إلى إحلال السلام في أوكرانيا إلى لحظة حاسمة، بعدما دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نظيره الروسي فلاديمير بوتين إلى الانخراط في محادثات هذا الأسبوع.
وتباينت المؤشرات الفنية في السوق؛ إذ يظهر الفرق بين أقرب عقدين لخام “برنت” حالة ”
” قوية، وهي بنية سعرية تُعد مؤشراً صعودياً، حيث تكون الأسعار الفورية أعلى من تلك في العقود الأبعد، في حين تُظهر العقود الأطول أجلاً نمط “” معاكساً.