تفتح مصر آفاق تعاون تجاري كبير مع تركيا بتوقيع اتفاقية غير مسبوقة في مجال الغاز الطبيعي، على هامش زيارة وزير البترول والثروة المعدنية المصري كريم بدوي إلى أنقرة.
القاهرة – أنقرة..علاقة شراكة أم تنافس
وعلى الرغم من التنافس الإقليمي الواشح بين القاهرة وأنقرة على مدار عقود، إلا أنه تتقاطع المصالح بين طموحات أنقرة مع موقع القاهرة المحوري في خريطة الغاز شرق المتوسط.
وبينما تتنافس الدولتان على النفوذ الإقليمي ومواقع التحالفات، لا يغيب من المشهد سعي الشركات التركية للاستثمار في السوق المصري، واهتمام أنقرة بإيجاد موطئ قدم في معادلة الطاقة المتغيرة.
وقال وزير الطاقة التركي ألب أرسلان بيرقدار، إن شركتي “بوتاش” التركية و”إيجاس” المصرية وقعتا عقدا يقضي بنشر وحدة “FSRU” من أسطول بوتاش في الخارج لأداء مهمة دورية، مؤكدا أن “هذا النموذج المرن والفعال خطوة مهمة تساهم في ضمان أمن إمدادات الغاز الطبيعي لكل من تركيا ومصر”.
وعقد “بيرقدار” ونظيره المصري كريم بدوي، اجتماعا بحثا خلاله التعاون بين البلدين، أعقبه توقيع اتفاقيتين تهدفان إلى تعزيز التعاون في مجال الطاقة، وذلك بمناسبة الذكرى المئوية للعلاقات الدبلوماسية بين تركيا ومصر.
وأوضح الوزير التركي أن الاتفاقية الأولى هي مذكرة تفاهم ترسخ للتعاون في مجالات الهيدروكربونات والتعدين على أسس مؤسسية، مضيفا أنها تعزز من تبادل الخبرات الفنية والمعرفة المتخصصة لإطلاق مشاريع مشتركة في مجالات استراتيجية تشمل النفط والغاز الطبيعي والطاقة الحرارية الجوفية والهيدروجين والمعادن الحيوية.
ووصف “بيرقدار” الاتفاقية الثانية المتعلقة بعمل سفينة “بوتاش” في مصر “بالإنجاز الوطني”، منوها أنه لأول مرة ستعمل سفينة تركية من هذا النوع في الخارج، مضيفا أنه “على يقين بأن هذه الخطوات ستفتح صفحة جديدة في علاقات التعاون بمجال الطاقة مع مصر”.

بنود الاتفاقية بين مصر وتركيا
وتقضي الاتفاقية بين البلدين بنشر سفينة تركية لتخزين الغاز الطبيعي وإعادة التغويز في مصر للمرة الأولى، في تحول لافت للتعاون بين البلدين في مجال الطاقة.
وتتميز هذه الوحدات عادةً بسرعة نشرها وفعاليتها من حيث التكلفة، مقارنةً بمحطات إعادة التغويز البرية التقليدية.
وتعدّ الوحدة التركية خامس سفينة تغويز تتعاقد عليها القاهرة منذ عودتها إلى استيراد الغاز المسال قبل ما يزيد على عام، إذ وقّعت الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية المملوكة للدولة “إيجاس” وشركة هوغ إيفي المحدودة (Höegh Evi Ltd) اتفاقية مدّتها 10 سنوات للاستعانة بخدمات سفينة هوغ غاندريا (Hoegh Gandria).
ومن المقرر نشر السفينة الجديدة في ميناء سوميد، بالقرب من الإسكندرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط، في الربع الأخير من عام 2026، لتكون بديلة لسفينة هوغ غاليون الموجودة حاليًا في العين السخنة، وتُعدّ أول محطة استيراد الغاز المسال تتعاقد عليها مصر، ويمتدّ عقدها حتى فبراير/شباط 2026.
كما تعاقدت مصر على سفينة “إنرغوس إسكيمو”، المملوكة لشركة “نيو فورتريس” الأميركية (New Fortress Energy)، الموجودة حاليًا في ميناء العقبة الأردني، و ستُنقَل إلى ميناء العين السخنة، في يونيو/حزيران 2025، بموجب عقد استئجار طويل الأمد يمتدّ لـ10 سنوات.
ووقّعت مصر عقدًا للاستعانة بسفينة إعادة تغويز أخرى، ستصل إلى البلاد في يونيو/حزيران أو يوليو/تموز المقبل بحدّ أقصى، قادمة من ألمانيا.
تعاون فني
بالإضافة إلى اتفاقية سفينة التغويز العائمة لتخزين الغاز، وقّعت تركيا ومصر مذكرة تفاهم لترسيخ التعاون المؤسسي في قطاعَي الهيدروكربونات والتعدين.
وقد لجأت مصر إلى استيراد الغاز المسال في الأشهر الأخيرة لتغطية احتياجاتها المحلية، مع تراجع إنتاجها من الغاز لأول مرة منذ عام 2018 عندما أعلنت الاكتفاء محليا وبدء تصدير الغاز.
وعزت الحكومة تراجع إنتاج الغاز إلى الأوضاع الإقليمية وتوقف إنتاج العديد من الحقول وعلى رأسها حقل ظهر الأكبر في البحر المتوسط، بسبب عدم دفع مستحقات الشركاء الأجانب، ومؤخرا أكدت الحكومة بدء تعافي إنتاجها من الغاز بعد تسديد المستحقات واكتشاف حقول جديدة.
وقال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، إن النصف الثاني من العام الماضي 2024 شهد حفر 105 آبار جديدة 10 منها للغاز الطبيعي، ما أضاف للإنتاج المحلي 271 مليون قدم مكعب من الغاز يوميا.
وأوضح أن هذه الزيادة في الإنتاج من شأنها توفير ما يعادل 1.5 مليار دولار كانت توجه للاستيراد خلال 6 أشهر، مؤكدا أن مصر ستكون قادرة في وقت قريب على العودة إلى تصدير الغاز للخارج.
وتعكس هذه الأرقام العلاقة التي أصبحت تربط القاهرة بأنقرة والعكس، إذ تسعى تركيا لتعزيز نفوذها الإقليمي في قطاع الطاقة عبر شراكات دولية واتفاقيات استكشاف مع دول إقليمية كـ(ليبيا والعراق وأذربيجان) وهنا نستطيع أن نُبقي القوس مفتوحاً لنضيف مصر، بهدف تحقيق الاستقلالية ودعم حضورها الخارجي رغم التحديات الجيوسياسية التي تحيط بالعالم.