شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين خلال السنوات الأخيرة نموًا ملحوظًا، يعكس توجهًا استراتيجيًا من جانب الدولة لتعميق شراكاتها مع كبرى القوى العالمية. وتأتي الصين في مقدمة تلك الشراكات، باعتبارها واحدة من أكبر المستثمرين في السوق المصرية، حيث لا تقتصر استثماراتها على التمويل فقط، بل تشمل نقل التكنولوجيا وبناء بنية تحتية حديثة وتوفير فرص عمل جديدة.
وقد عبر رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، عن تطلع الحكومة إلى جذب جزء من الاستثمارات الصينية المخصصة للقارة الأفريقية، والبالغة 52 مليار دولار، بهدف توجيهها نحو مشروعات استراتيجية داخل البلاد.
وتمثل هذه الشراكة الاستراتيجية، التي تمتد من تطوير البنية التحتية إلى دعم الصناعة والزراعة، ركيزة أساسية في خطة مصر لتحقيق التنمية المستدامة، وتوطين الصناعة، وتقليل الاعتماد على الاستيراد.
مشروعات استراتيجية
أحد أبرز أوجه التعاون بين البلدين تجلى في مشروع القطار الكهربائي الخفيف (LRT)، حيث بدأ تحالف مصري–صيني في يوليو 2024 تنفيذ المرحلة الثالثة من المشروع بتكلفة تبلغ 550 مليون دولار. ويضم التحالف شركة “فيك” الصينية، إلى جانب شركتي “المقاولون العرب” و”أوراسكوم” المصريتين.
وتمتد هذه المرحلة لمسافة 20.4 كم، تشمل أربع محطات جديدة، بهدف تعزيز ربط القاهرة بالعاصمة الإدارية الجديدة، في إطار خطة الدولة لتطوير منظومة النقل الجماعي.
وقد تم تمويل المشروع عبر قرض خارجي بقيمة 400 مليون دولار من بنك التصدير والاستيراد الصيني، فيما تم تدبير باقي التمويل من بنوك محلية.
استثمارات متنوعة تعزز التوطين ونقل التكنولوجيا
انطلق مشروع صيني جديد لصناعة الأقمشة الزخرفية بمدينة القنطرة باستثمارات بلغت 17 مليون دولار، في إطار اهتمام متزايد من الجانب الصيني بقطاع الغزل والنسيج المصري.
منطقة قناة السويس مركز جذب للمستثمرين الصينيين
شهدت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس طفرة في الاستثمارات خلال العامين الماضيين، حيث استقطبت 128 مشروعًا استثماريًا بقيمة تجاوزت 6 مليارات دولار، كانت حصة الصين منها 40%.
ويعكس ذلك الثقة المتبادلة بين الجانبين، والرغبة في تحويل هذه المنطقة إلى مركز صناعي ولوجيستي إقليمي يخدم الأسواق الأفريقية والأوروبية.
مشروعات زراعية وإنشائية كبرى تدعم التنمية المستدامة
تمضي مصر والصين في تنفيذ مشروع مشترك لزراعة مليون فدان، باستثمارات تصل إلى 7 مليارات دولار، وهو مشروع ضخم يعزز الأمن الغذائي ويخلق فرص عمل واسعة.
كما تمول الصين بناء “البرج الأيقوني” في العاصمة الإدارية الجديدة، والذي ينفذ بقرض قيمته 3 مليارات دولار، ويعد أحد أبرز المعالم المستقبلية في مصر.
خلل في الميزان التجاري وتحديات قائمة
رغم الزخم في الاستثمارات الصينية داخل مصر، إلا أن الميزان التجاري بين البلدين لا يزال يميل بشكل كبير لصالح الصين.
ففي حين تستورد مصر منتجات صينية بنحو 17 مليار دولار سنويًا، لا تتجاوز صادراتها إلى بكين 500 مليون دولار، ما يطرح ضرورة العمل على زيادة القدرة التصديرية المصرية.
كما بلغ حجم ديون مصر للصين نحو 9.4 مليارات دولار في عامي 2023 و2024، وهو رقم كبير يتطلب مراقبة دقيقة في ظل الضغوط الاقتصادية العالمية.