شهد قطاع العقارات في مصر أرباح كبيرة نتيجة الارتفاعات الكبيرة في أسعار العقارات، وتنويع الدخل عبر مسارات بينها التوسع الخارجي، نمو أرباح أكبر 6 شركات تطوير عقاري مدرجة في بورصة مصر خلال الربع الأول من العام الجاري، وسط توقعات إيجابية للنشاط بدعم من خفض أسعار الفائدة والمبيعات الصيفية.
وتشكل القطاعات المرتبطة بالعقار حاليا نحو 40% من الاقتصاد المصري، حيث يمثل العقار وحده 20%، من الناتج المحلي الإجمالي، في حين تساهم التشييد والبناء بنسبة مماثلة تقريباً، مدفوعين بتوسع الحكومة في بناء المدن الجديدة ومشروعات البنية التحتية.
أرباح شركات العقارات في مصر
ومن واقع إفصاحات الشركات، بلغ إجمالي أرباح الشركات الست وهي: “طلعت مصطفى القابضة”، و”إعمار مصر للتنمية”، و”بالم هيلز للتعمير”، و”سوديك”، و”مدينة مصر”، و”أوراسكوم للتنمية مصر”، نحو 13.12 مليار جنيه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من 2025، مقابل 11.49 مليار جنيه خلال نفس الفترة من العام الماضي، بنمو بلغ 14% على أساس سنوي. فيما بلغ إجمالي إيرادات الشركات نحو 35.41 مليار جنيه مقابل 23.67 مليار جنيه في الربع المقارن بنمو 49.6%.
ويبلغ عدد الشركات العقارية المُدرجة أسهمها في البورصة المصرية نحو 36 شركة، برأسمال سوقي يناهز 263 مليار جنيه، وفق بيانات البورصة، بحسب بلومبرج.
ارتفاع الأسعار يعزز “بالم هيلز”
حازم بدران الرئيس التنفيذي لشركة “بالم هيلز للتعمير”، ثاني أكبر شركة عقارية مقيدة في مصر، أرجع لـ”الشرق” نمو الأرباح والمبيعات في الربع الأول إلى سببين رئيسيين، أولهما ارتفاع أسعار البيع، والثاني ضبط الشركات للتكلفة. وأضاف “الأراضي المملوكة للشركة تم الاستحواذ عليها بأسعار مناسبة قبل سنوات، ما ساعدها في تسعير الوحدات بما يتناسب مع وضع السوق، والتكيف مع القفزات التي شهدتها مدخلات البناء”.
بدران أشار إلى أن شركته تعوّل على مبيعات الوحدات في الساحل الشمالي على البحر المتوسط هذا الصيف لتحقيق قفزة في الإيرادات، وأوضح “نستهدف تحقيق 120 مليار جنيه مبيعات، ليصل الإجمالي بنهاية العام إلى 200 مليار جنيه”.
وشدد رئيس بالم هيلز أن السوق تمر بـ”فترة استقرار”، وهو عامل إيجابي للشركات يساعدها على وضع سياسات التسعير بشكل أكثر توازناً، في ظل غياب الضغوط التي كانت حاضرة في الربع الأول من العام الماضي.
عانت مصر أزمة اقتصادية على مدى السنوات الماضية تجلت في نقص شديد في النقد الأجنبي، وارتفاع معدلات التضخم، وتخفيضات متتالية في التصنيف الائتماني، مما تسبب في حالة توتر بالأسواق، خاصة في ظل فروق كبيرة بأسعار الصرف بين السوقين الرسمية والموازية مما أنشأ صعوبة كبيرة في تسعير المنتجات المختلفة. لكن في مارس من العام الماضي، تلقت مصر حزمة إنقاذ عالمية للاقتصاد بقيمة تجاوزت 50 مليار دولار، وسمحت للجنيه بالانخفاض أمام الدولار بنحو 40% مما سمح لاقتصادها بالخروج من كبوته.
تراجع مبيعات “مدينة مصر”
في المقابل، شهدت شركة “مدينة مصر للإسكان” تراجعاً حاداً في عدد الوحدات المبيعة بنسبة 60%، وهو ما انعكس على الإيرادات والأرباح. وأرجع عبدالله سلام، الرئيس التنفيذي للشركة، هذا التراجع إلى تأثير ارتفاعات استثنائية في الفترة المقارنة عقب تحرير سعر الصرف وزيادة أسعار الفائدة بمقدار 600 نقطة أساس آنذاك.
تجري الشركة محادثات مع “الشركة الوطنية للإسكان” السعودية لإطلاق مشاريع في المملكة، إما منفردة أو بالتعاون مع شريك سعودي، بحسب ما قاله سلام لـ”الشرق” في الشهر الماضي.
تراجعت أرباح “مدينة مصر” في الربع الأول بنسبة 32.6% على أساس سنوي، لتسجل 793.8 مليون جنيه بعد خصم حقوق الأقلية، فيما انخفضت الإيرادات نحو 17% إلى 2.562 مليار جنيه.

تنويع الإيرادات والتوسع الخارجي
توجه الشركات العقارية في مصر إلى تنويع مصادر دخلها عبر التوسع الخارجي، والاستثمار في الأنشطة السياحية والفندقية عزز الإيرادات خاصة بالعملات الأجنبية، رغم ضغوط السيولة الناتجة عن تكلفة التمويل المرتفعة، بحسب مصطفى شفيع، رئيس البحوث بشركة “عربية أون لاين” في تصريحات لبلومبرج”، والذي توقع في الوقت ذاته أن يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى تحسن في أنشطة التمويل العقاري في الفترة المقبلة.
بدأ البنك المركزي المصري دورة تيسير نقدي في أبريل، ليخفض أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أكثر من 4 سنوات من أعلى مستوى تاريخي لها. وفي مايو، قلص المركزي أسعار الفائدة مجدداً، لتنزل إجمالاً بواقع 325 نقطة أساس منذ بداية العام الجاري.
يعوّل المطورون العقاريون عادة على خفض أسعار الفائدة في تحفيز حركة المبيعات، في ظل اعتماد غالبية شركات التطوير في مصر على نظام البيع على “الخريطة”، أي قبل بدء البناء، حيث يُسدد العميل دفعة مقدمة تتراوح بين 5% و20% من قيمة الوحدة، على أن تُقسط البقية على عدة سنوات.
وفي محاولة لتحفيز الطلب، تتجه الشركات إلى مد فترات السداد وتخفيض قيمة المقدم، لجذب شرائح أكبر من المشترين، وسط ضعف آليات التمويل العقاري الرسمية في البلد، الذي يعيش فيه أكثر من ثلثي السكان تحت خط الفقر.
عانت سوق العقارات في مصر من تداعيات تراجع القدرة الشرائية نتيجة ارتفاع مستويات التضخم، لكن المطورين لا يزالون يتيحون عروضاً مؤقتة على عدد محدود من الوحدات لجذب المشترين، ما حرك الطلب في السوق من جديد، بحسب أيمن سامي رئيس شركة “جيه إل إل مصر” لـ”الشرق” في وقت سابق.

“طلعت مصطفى” و”إعمار مصر” تهيمنان على الربح
خلال الربع الأول، كان لافتاً استحوذت شركتا “طلعت مصطفى” و”إعمار مصر” وحدهما على 59% من إجمالي الأرباح، فيما شكلت أربع شركات وهي “طلعت مصطفى”، و”إعمار مصر”، و”سوديك”، و”بالم هيلز” نحو 85% من إجمالي الإيرادات.
ارتفع صافي أرباح شركات “سوديك” و”بالم هيلز” و”طلعت مصطفى” بنسب 143% و57% و7% على الترتيب، بينما تراجع صافي أرباح “إعمار مصر” و”مدينة مصر” بنسب 42% و32% على الترتيب، وتحولت شركة “أوراسكوم للتنمية” منفردة من الخسارة إلى الربحية.
في الوقت ذاته، ارتفعت إيرادات 5 شركات من بين الست الكبار خلال الفترة من يناير إلى مارس، بواقع 272% في “إعمار مصر”، و54% في “أوراسكوم للتنمية”، و500% في “سوديك”، ونحو 39% في “طلعت مصطفى”، و35% في “بالم هيلز”، بينما تراجعت إيرادات شركة “مدينة مصر” بنحو 17%.
ورغم القفزة التي حققتها إيرادات شركة “إعمار مصر” لتبلغ قرابة 6 مليارات جنيه في الربع الأول من 2025، مقابل 1.6 مليار جنيه في نفس الفترة قبل عام، إلا أن أرباحها تراجعت 42% خلال نفس الفترة لتبلغ 3.32 مليار جنيه جراء ارتفاع التكاليف بنسبة 100% خلال تلك الفترة بشكل أساسي.