في عالم يزداد فيه الاعتماد على التقنية، ويتحول فيه الوجود الرقمي إلى ضرورة لا مفر منها، بات الحفاظ على بياناتنا أمرًا حيويًا لا يقل أهمية عن أي مكون آخر في حياتنا.
لكن رغم كثرة الحديث عن “الأمان الإلكتروني”، لا يزال هناك خلط كبير بين مفهومي الأمان والخصوصية، حيث يظن الكثيرون أن تأمين الحسابات وكلمات المرور كفيل بحمايتهم، متغافلين عن حقيقة أن الخصوصية قد تنتهك دون أن تخترق الأنظمة.
وكشف تقرير حديث نشره موقع سايبر نيوز عن أكبر عملية تسريب بيانات في التاريخ، حيث تم تسريب بيانات دخول تخص أكثر من 16 مليار حساب، دون أن يسجل أي اختراق كبير لأنظمة حماية المواقع الكبرى مثل “جوجل” و”أبل”، ما يفتح الباب واسعًا للتساؤل كيف تم تسريب هذه البيانات إذن؟ وهل كنا نظن أننا آمنون بينما تُسرق خصوصيتنا بأيدينا؟
ما الفرق بين الأمان والخصوصية؟
رغم أن المصطلحين غالبًا ما يُستخدمان بالتبادل، إلا أن بينهما فارقًا جوهريًا:
- الأمان (Security): هو قدرة النظام على منع الغرباء أو غير المصرح لهم من الوصول إلى بياناتك. مثلًا، تأمين الحساب بكلمة مرور قوية أو خاصية التحقق بخطوتين.
- الخصوصية (Privacy): تعني أن لك وحدك الحق في تحديد من يرى ماذا من بياناتك، ومتى ولماذا. الخصوصية تتعلق بالتحكم في المعلومات، وليس فقط حمايتها.
بعبارة مبسطة:
“يمكنك أن تكون آمنًا دون أن تكون خصوصيتك محفوظة، لكن لا يمكنك أن تتمتع بالخصوصية دون أمان.”
مثال حي: يوتيوب آمن لكن هل هو خاص؟
عند استخدامك لـ”يوتيوب”، يتم تأمين حسابك بطبقات من الحماية ضد الاختراق، لكن ذلك لا يعني أن كل ما تفعله على المنصة يظل خاصًا فكل مشاهدة، وكل إعجاب، وكل دقيقة تقضيها على الفيديوهات يتم تسجيلها وتحليلها لأغراض تجارية مثل تخصيص الإعلانات أو خوارزميات الاقتراحات.
الأمان يمنع الغرباء، لكن الخصوصية تعني ألا يكون أحد يراقبك حتى لو من داخل النظام.
برمجيات خبيثة وتنازلات بشرية
ما حدث في عملية التسريب الكبرى لم يكن خرقًا مباشرًا لأنظمة الحماية، بل كان عبر برمجيات تجسس استطاعت التسلل إلى الأجهزة بعد أن منحها المستخدمون أذونات غالبًا دون وعي من خلال ما يعرف بـ”الموافقة على الكوكيز” أو تحميل تطبيقات مريبة.
المفارقة أن كثيرًا من هذه الاختراقات تبدأ بـ”موافقة المستخدم”، ما يجعلنا نحن بأنفسنا من نفتح الباب لانتهاك الخصوصية.
هل الهواتف الذكية آمنة؟
نعم، الهواتف الذكية تعتمد على تقنيات حماية قوية مثل التشفير، وتقييد أذونات التطبيقات، ولكن:
- بعض التطبيقات الرسمية تطلب أذونات يصعب رفضها.
- النظام نفسه قد يجمع بيانات في الخلفية دون علمك.
- الشركات المصنعة قد تشارك بياناتك مع أطراف تجارية لأغراض تسويقية.
إذاً، الأمان موجود، لكن الخصوصية ليست مضمونة.
لماذا يجب أن نفهم الفرق؟
في عصر تحولت فيه البيانات الشخصية إلى سلعة رقمية، يصبح وعي المستخدم هو خط الدفاع الأول والأخير وحين نفترض أن الأمان كافٍ لحمايتنا، فإننا نفرط دون قصد في حقنا في عدم الظهور ومن لا يعي كيف تستخدم بياناته، يصبح هو نفسه منتجًا يباع ويشترى والخصوصية ليست رفاهية، بل حق إنساني رقمي في هذا العصر المتصل بكل شيء.