تتجه أنظار الأسواق العالمية والدوائر الاقتصادية الدولية، اليوم الأربعاء، نحو العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث يعقد مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) اجتماعه الدوري لاتخاذ قرار بالغ الأهمية بشأن أسعار الفائدة.
وبينما تشير غالبية التوقعات إلى توجه المجلس نحو تثبيت معدلات الفائدة دون تغيير، إلا أن اللافت هذه المرة هو الانقسام غير المسبوق بين أعضاء المجلس، إلى جانب الضغوط السياسية المتزايدة من إدارة الرئيس دونالد ترامب، ما يضفي على الاجتماع طابعًا استثنائيًا.
ويعيد هذا التباين الداخلي إلى الأذهان مشاهد نادرة لم تحدث منذ أكثر من ثلاثة عقود، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل السياسة النقدية الأمريكية في ظل تحديات اقتصادية وجيوسياسية متصاعدة.
فهل يكون اجتماع اليوم بداية لتحول حقيقي في نبرة رئيس المجلس جيروم باول؟ وهل تمهد هذه الانقسامات الطريق لخفض الفائدة في اجتماع سبتمبر المقبل؟ أسئلة تترقبها الأسواق، وتحدد من خلالها بوصلة الاقتصاد الأمريكي في الأشهر المقبلة.
تباينات داخل الفيدرالي تهدد الإجماع
في سابقة قد تُسجل لأول مرة منذ عام 1993، يواجه مجلس الاحتياطي الفيدرالي احتمال صدور اعتراضين داخليين على قرار التثبيت، حيث ترجح مصادر اقتصادية مطلعة لوكالة “رويترز” أن يصوّت العضو كريستوفر والر ضد القرار، وقد تنضم إليه ميشيل بومان، التي عبّرت في تصريحات سابقة عن تأييدها لفكرة خفض الفائدة رغم مواقفها المتشددة السابقة.
هذا الانقسام لا يتعلق فقط بالتوجه العام للمجلس، بل يتعداه إلى اختلافات في تفسير البيانات الاقتصادية، خاصة ما يتعلق بالتضخم وسوق العمل. ويرى والر أن الرسوم الجمركية المفروضة مؤخرًا أثرت مؤقتًا على الأسعار، داعيًا إلى تجاهلها والتركيز على ضعف سوق العمل، بينما تشير بومان إلى أن التضخم بدأ بالتراجع، وتعتبر أن خفض الفائدة خطوة ضرورية لدعم التوظيف.
هل يلمح باول إلى خفض قادم؟
ترقب المستثمرون لا يقتصر على قرار اليوم فقط، بل يمتد إلى المؤتمر الصحفي لرئيس الفيدرالي جيروم باول، الذي قد يكون حاسمًا في إعطاء إشارات أولية حول احتمال خفض الفائدة في اجتماع سبتمبر المقبل.
وتشير تقديرات الأسواق إلى أن أول خفض للفائدة في عام 2025 قد يتم بالفعل خلال سبتمبر، في ظل تزايد المؤشرات على تباطؤ اقتصادي نسبي.
وقد يضطر باول، الذي يتعرض لانتقادات متزايدة من البيت الأبيض، إلى تبني لهجة أكثر مرونة هذه المرة، خصوصًا بعد الجدل الواسع حول تكاليف تجديد مقر البنك المركزي، والتي تجاوزت 2.5 مليار دولار، مما تسبب في إحراج بالغ لإدارته أمام الرأي العام الأمريكي والحكومة.
اعتراضات لا تغير الاتجاه لكنها تحمل دلالات
ورغم أن هذه الاعتراضات، في حال حدوثها، لن تؤثر بشكل مباشر على قرار تثبيت الفائدة المتوقع صدوره اليوم، إلا أنها تحمل دلالات مهمة حول حالة الانقسام داخل المجلس، واحتمال بدء تغيير تدريجي في التوجهات النقدية.
ويذكر المحللون بأن آخر مرة شهد فيها مجلس الاحتياطي اعتراضين في اجتماع واحد كانت في ديسمبر 1993، وهو ما يعطي لاجتماع اليوم أهمية تاريخية خاصة، ويزيد من حساسية المرحلة المقبلة في إدارة السياسة النقدية الأمريكية.