في خضم التقلبات الاقتصادية العالمية، تواصل أسعار الذهب تسجيل مكاسب ملحوظة، مدفوعة بجملة من العوامل الاقتصادية والسياسية التي جعلت المعدن النفيس أكثر جاذبية للمستثمرين.
فقد ارتفعت أسعار الذهب عند التسوية أمس، لتحقق مكاسب أسبوعية ملموسة، بعد الخطاب المرتقب لرئيس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، خلال ندوة جاكسون هول، الذي كشف فيه عن ملامح تحول محتمل في السياسة النقدية الأمريكية.
ويأتي ذلك في وقت يواجه فيه الاقتصاد الأمريكي إشارات ضعف في سوق العمل، إلى جانب الضغوط الجيوسياسية المتزايدة، وهو ما عزز من جاذبية الذهب كملاذ آمن في أعين المستثمرين.
ويعكس هذا المشهد بوضوح تداخل العوامل الاقتصادية والنقدية والسياسية في دفع أسعار المعادن النفيسة نحو الارتفاع، في وقت يتأهب فيه العالم لتغيرات جوهرية في السياسات المالية الأمريكية وانعكاساتها على الأسواق العالمية.

أسعار الذهب ترتفع بدعم من تراجع الدولار
أنهى الذهب الفوري تعاملاته مرتفعًا بنسبة 1.1% مسجلًا 3373.89 دولارًا للأونصة، فيما استقرت العقود الآجلة للذهب عند 3418.50 دولارًا.
وجاء هذا الارتفاع مدعومًا بانخفاض الدولار الأمريكي بنسبة 1%، وهو ما جعل الذهب أكثر جاذبية بالنسبة للمستثمرين حائزي العملات الأخرى.
تصريحات باول تعزز توقعات خفض الفائدة
تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، شكلت نقطة تحول في الأسواق، حيث أكد أن “ميزان المخاطر يبدو أنه يتحول” بين استقرار الأسعار والتوظيف الكامل. وأوضح أن ضعف سوق العمل وتغير موازين المخاطر قد يستدعيان خفض أسعار الفائدة قريبًا، مشيرًا كذلك إلى تأثيرات سياسات الضرائب والتجارة والهجرة على الاقتصاد.
وبناءً على خطابه، ارتفعت احتمالات خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر إلى 85%، مقارنة بـ 75% قبل كلمته، وفقًا لأداة CME FedWatch.
انعكاسات على أسواق الأسهم الأمريكية
لم يقتصر تأثير تصريحات باول على الذهب فحسب، بل انعكس أيضًا على مؤشرات الأسهم الأمريكية، التي شهدت صعودًا جماعيًا.
فقد ارتفع مؤشر إس آند بي 500 بنسبة 1.2%، وأضاف داو جونز 643 نقطة، بينما صعد مؤشر ناسداك بنسبة 1.36% مسجلًا 21375 نقطة، في إشارة إلى حالة من التفاؤل الحذر لدى المستثمرين.
بيانات سوق العمل الأمريكي تزيد الضغوط
أظهرت بيانات وزارة العمل الأمريكية ارتفاع طلبات إعانة البطالة بأكبر وتيرة في ثلاثة أشهر، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ نحو أربع سنوات.
وعكست هذه البيانات هشاشة سوق العمل الأمريكي، وهو ما يدعم رؤية باول بشأن احتمالية خفض الفائدة لضمان استقرار الاقتصاد.
التوترات الجيوسياسية تعزز جاذبية الذهب
إلى جانب العوامل الاقتصادية، لعبت التطورات الجيوسياسية دورًا في دعم أسعار الذهب. فقد نقلت وكالة رويترز عن مصادر مطلعة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يطالب أوكرانيا بالتخلي عن مساعي الانضمام إلى الناتو والتنازل عن كامل منطقة دونباس.
وأعادت هذه المطالب إلى الواجهة احتمالات التصعيد، ما جعل المستثمرين أكثر توجهًا نحو الملاذات الآمنة وعلى رأسها الذهب.
أداء المعادن النفيسة الأخرى
لم يكن الذهب وحده المستفيد، حيث سجلت المعادن النفيسة الأخرى مكاسب ملحوظة. فقد ارتفعت أسعار الفضة بنسبة 2.2% لتصل إلى 39.01 دولارًا للأونصة، بينما صعد البلاتين بنسبة 0.7% مسجلًا 1362.90 دولارًا. كما ارتفع البلاديوم بنسبة 1.4% ليصل إلى 1125.53 دولارًا، ما يعكس تحركًا عامًا إيجابيًا في قطاع المعادن الثمينة.