شهدت صناعة الرقائق الإلكترونية في الولايات المتحدة تطورًا لافتًا خلال العقود الماضية، غير أن المنافسة العالمية المتصاعدة وضعت الشركات الأمريكية أمام تحديات غير مسبوقة، خاصة مع بروز العملاق التايواني تي إس إم سي ونجاح إنفيديا في سباق الذكاء الاصطناعي.
وفي خطوة مثيرة للجدل، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن استثمار ضخم بقيمة 8.9 مليار دولار في شركة إنتل، مقابل الاستحواذ على 9.9% من أسهمها، ليصبح بذلك أكبر مساهم منفرد في الشركة.
وجاءت هذه الخطوة لتؤكد عزم الإدارة الأمريكية على حماية صناعة الرقائق باعتبارها ركيزة استراتيجية في الاقتصاد والأمن القومي.
لكن في المقابل، يثير هذا الاستثمار تساؤلات عديدة حول مستقبل إنتل، وقدرتها على استعادة مكانتها المفقودة وسط منافسة عالمية شرسة وتحديات تقنية معقدة.
استثمار ترامب ودور الحكومة الأمريكية
بموجب الصفقة، حصلت الحكومة الأمريكية على الحصة الكبيرة بسعر يقل 17.5% عن سعر الإغلاق، لكنها لم تحصل على مقعد في مجلس إدارة الشركة، واكتفت بحق المشاركة في القرارات الاستراتيجية التي تتطلب موافقة المساهمين.
وينظر إلى هذه الخطوة باعتبارها مؤشرًا قويًا على أن الحكومة ترى في إنتل شركة “أكبر من أن تفشل”، في ظل حجم استثماراتها الضخم داخل الولايات المتحدة.
التحديات التي تواجه إنتل
رغم الدعم الكبير، يرى محللون أن التمويل الجديد لن يكون كافيًا لإنعاش إنتل، حيث تواجه الشركة تحديات محورية، أبرزها:
- صعوبة جذب عملاء خارجيين لتبني تقنيتها التصنيعية الجديدة 14A.
- ضعف مردود تقنية 18A، مما يقلل من نسبة الرقائق القابلة للتسويق.
- تراجع الثقة بقدرات مصانعها مقارنة بمنافسيها.
الرئيس التنفيذي ليب بو تان، الذي تولى منصبه في مارس الماضي، حذر من احتمال التخلي عن نشاط التصنيع إذا لم تتمكن الشركة من تأمين عملاء كبار، وهو ما قد يضع مستقبل الشركة على المحك.
المنافسة العالمية: خسارة الريادة لصالح تي إس إم سي وإنفيديا
تراجعت مكانة إنتل عالميًا بعد سنوات من سوء الإدارة، لتفقد صدارتها أمام تي إس إم سي التايوانية في مجال الرقائق المتقدمة. كما خسرت السباق نحو تطوير رقائق الذكاء الاصطناعي لصالح إنفيديا، التي باتت الرائدة بلا منازع في هذا القطاع الحيوي.
جعل هذا التراجع الكثير من العملاء الجدد يشككون في قدرات إنتل على تلبية احتياجاتهم من حيث الكفاءة والجودة.
انعكاسات الصفقة على الأسهم والمستقبل المالي
على المستوى المالي، قفزت أسهم إنتل بنسبة 5.5% فور الإعلان عن الصفقة، قبل أن تتراجع بنسبة 1% في التداولات اللاحقة. ورغم ذلك، فقد سجلت الشركة ارتفاعًا إجماليًا بلغ 23% منذ بداية العام بفضل خطط خفض التكاليف وتسريح آلاف الموظفين.
كما أن إنتل تستثمر أكثر من 100 مليار دولار في توسيع مصانعها داخل الولايات المتحدة، بينها مصنع جديد في ولاية أريزونا من المتوقع أن يبدأ الإنتاج الضخم هذا العام. ومع إضافة المنح السابقة بقيمة 2.2 مليار دولار، يصل إجمالي الدعم الحكومي إلى 11.1 مليار دولار.
ما بين الطموح والمخاطر
يرى مؤيدو الصفقة أن دخول ترامب والحكومة الأمريكية كمساهمين رئيسيين يبعث رسالة طمأنة للأسواق ويعزز فرص إنتل في استعادة مكانتها، بينما يحذر آخرون من أن التدخل الحكومي قد يثير مخاوف بشأن الحوكمة الداخلية ويؤثر سلبًا على مصالح المساهمين. وبين هذين الرأيين، تبقى إنتل أمام مفترق طرق: إما أن تستغل هذه الفرصة لإعادة بناء قوتها، أو تواجه مصير التراجع المستمر في سوق تقوده شركات آسيوية قوية ومتطورة.