يشهد الاقتصاد الأمريكي واحدة من أكثر المراحل حساسية في تاريخه الحديث، حيث دخلت معركة استقلالية مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) منعطفًا حادًا بعد هجوم علني شنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على رئيس الفيدرالي جيروم باول، متهمًا إياه بالتسييس ورفض الاستجابة لمطالبه بخفض أكبر لأسعار الفائدة.
وأثارت هذه المواجهة غير المسبوقة بين البيت الأبيض ورئيس الفيدرالي جدلاً واسعًا في الأوساط الاقتصادية والسياسية، إذ يرى محللون أن الضغوط الحالية تمثل أخطر اختبار لاستقلالية البنك المركزي منذ تأسيسه. ويأتي ذلك في وقت تتعرض فيه الأسواق الأمريكية لتقلبات حادة وسط تباطؤ في سوق العمل واستمرار تأثير الرسوم الجمركية على الأسعار، ما يضع صانعي السياسة النقدية أمام معضلة موازنة النمو الاقتصادي مع كبح التضخم.
رد باول على اتهامات ترامب
خلال مشاركته في فعالية بولاية رود آيلاند، رد جيروم باول بحدة على تصريحات الرئيس ترامب، مؤكدًا أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي يتخذ قراراته بناءً على البيانات الاقتصادية والمعطيات الفعلية وليس على ضغوط أو حسابات سياسية.
وقال باول: “من يتهموننا بالتحيز السياسي يطلقون اتهامات رخيصة، وقراراتنا مبنية على الأرقام والمعطيات فقط”، في إشارة واضحة إلى تمسك الفيدرالي باستقلاليته.
هجوم ترامب ومحاولات البيت الأبيض للتأثير
كان ترامب قد وصف باول سابقًا بأنه “شخص سياسي جدًا”، معربًا عن استيائه من رفضه خفض الفائدة بصورة أعمق لدعم الاقتصاد.
كما قاد البيت الأبيض حملة لإعادة تشكيل مجلس محافظي الفيدرالي، شملت تعيين مسؤول من إدارة ترامب ومحاولة إقالة عضو آخر عيّنه الرئيس السابق جو بايدن على خلفية مزاعم لم تثبت صحتها.
خلفية اقتصادية متوترة
تأتي هذه المواجهة بعد أسبوع واحد فقط من إعلان الفيدرالي أول خفض لأسعار الفائدة منذ ديسمبر الماضي، في محاولة لدعم سوق العمل الذي أظهر مؤشرات تباطؤ. لكن هذه الخطوة تزامنت مع استمرار الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترامب، ما زاد من الضغوط التضخمية على الأسعار وخلق حالة من الانقسام داخل المجلس حول مدى عمق التخفيضات المطلوبة.
خلاف داخل مجلس الفيدرالي
الانقسام لم يقتصر على علاقة الفيدرالي بالبيت الأبيض، بل ظهر داخل المجلس نفسه، حيث خالف ستيفن ميران – العضو الجديد في مجلس المحافظين والمسؤول السابق في إدارة ترامب – قرار الأغلبية، ودعا إلى خفض أكبر للفائدة معتبرًا أن المخاوف من التضخم “مبالغ فيها”، وأن الرسوم الجمركية قد تدفع على المدى الطويل إلى تحسين مستويات الادخار الوطني.
اختبار تاريخي لاستقلالية البنك المركزي
يرى محللون أن صمود باول وزملائه أمام هذه الضغوط سيكون حاسمًا في تحديد مسار الاقتصاد الأمريكي خلال الأشهر المقبلة. وسيعزز نجاح الفيدرالي في الحفاظ على استقلاليته الثقة في المؤسسات الاقتصادية، أما أي خضوع لضغوط سياسية فقد يؤدي إلى اهتزاز الأسواق وتراجع ثقة المستثمرين، خصوصًا مع استمرار حالة عدم اليقين بشأن التضخم والتوظيف والتجارة الدولية.