يشهد سوق الذهب العالمي واحدة من أكثر موجات الصعود قوة في تاريخه الحديث، إذ ارتفع سعر المعدن النفيس بنسبة 53% منذ بداية عام 2025، ليكسر حاجز 4,000 دولار للأوقية في سابقة تاريخية.
ويأتي هذا الارتفاع نتيجة تفاعل مجموعة من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية التي خلقت حالة من القلق العالمي، ما دفع المستثمرين إلى الملاذات الآمنة، وعلى رأسها الذهب.
ويجمع الخبراء على أن ما يحدث في الأسواق العالمية اليوم هو نتيجة تراكمية لسنوات من التوترات الدولية، والحروب، والاضطرابات الاقتصادية المتصاعدة، فضلًا عن السياسات النقدية التيسيرية التي شجعت على الابتعاد عن الأصول التقليدية عالية المخاطر. وفي ظل استمرار هذه العوامل، تلوح في الأفق توقعات بمرحلة جديدة من الصعود التاريخي قد تمتد حتى عام 2026.
الاضطرابات العالمية تدفع المستثمرين نحو الملاذ الآمن
يؤكد خبراء الأسواق أن تصاعد التوترات الجيوسياسية على عدة جبهات — من الحرب بين روسيا وأوكرانيا، إلى القتال في غزة بين إسرائيل وحماس الذي امتد ليشمل إيران واليمن، وتسبب في تعطيل حركة التجارة البحرية — قد زاد من إقبال المستثمرين على الذهب كملاذ آمن في زمن الأزمات.
ومع تفاقم حالة الغموض، التي تُعد الأكبر منذ الحرب العالمية الثانية، تضاعف سعر الذهب خلال السنوات الثلاث الأخيرة، مدعومًا بموجات شراء واسعة من المستثمرين الساعين إلى حماية أصولهم من المخاطر المتزايدة.
القلق الاقتصادي الأمريكي والأوروبي يدعم الزخم الصعودي
لم تقتصر أسباب الارتفاع على العوامل الجيوسياسية، بل ساهمت الاضطرابات الاقتصادية العالمية بدور محوري. ففي الولايات المتحدة، أدى فرض رسوم جمركية جديدة من قبل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى خلق حالة من عدم اليقين التجاري، فيما يتزايد الغموض بشأن قوة الدولار، واستقلالية الاحتياطي الفيدرالي، واستمرار معدلات التضخم المرتفعة.
وفي أوروبا، يثير تباطؤ النمو الاقتصادي مخاوف إضافية، مما دفع المستثمرين إلى البحث عن بدائل استثمارية أكثر أمانًا.
وخلال شهر سبتمبر وحده، قفزت أسعار الذهب بنسبة 12%، ما انعكس أيضًا على ارتفاع أسعار المعادن النفيسة الأخرى مثل الفضة والبلاتين والبلاديوم.
سياسات البنوك المركزية تعزز الطلب على الذهب
ساهمت السياسات النقدية التيسيرية التي انتهجتها العديد من البنوك المركزية في زيادة الطلب على الذهب. فمع الإبقاء على أسعار الفائدة منخفضة وتأجيل أي زيادات جديدة، اتجه المستثمرون إلى الذهب كمخزن للقيمة.
كما دعمت عمليات الشراء الضخمة من البنوك المركزية الأسعار بشكل مباشر. وتشير بيانات شركة Metals Focus إلى أن البنوك المركزية حول العالم تتجه لشراء نحو 1000 طن متري من الذهب في 2025، للعام الرابع على التوالي من المشتريات القياسية، ضمن مساعٍ لتنويع الاحتياطيات وتقليل الاعتماد على الأصول المقومة بالدولار.
هل يستمر ارتفاع الذهب بعد تجاوز 4,000 دولار؟
رغم المخاوف من احتمالية حدوث عمليات جني أرباح بعد هذا الارتفاع التاريخي، يرى محللون أن تجاوز مستوى 4,000 دولار للأوقية قد يفتح الباب أمام موجة صعود جديدة تمتد حتى عام 2026، خاصة في ظل الطلب القوي على السبائك والعملات المعدنية، واستمرار تدفقات الاستثمار في صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب.
وقال المحلل ديفيد ويلسون من بنك BNP Paribas: “عادةً ما يكون هناك عامل أو عاملان يدفعان أسعار الذهب سنويًا، لكن في الوقت الراهن، كل الأسباب التقليدية مجتمعة في وقت واحد.” وأضاف: “إذا كنت مستثمرًا، فأين ستضع أموالك؟ في السندات الأمريكية؟ لا، فالعائدات على السندات طويلة الأجل تظهر أن المستثمرين مترددون.”
توقعات سعر الذهب في 2026
في أحدث التقديرات، رفعت جولدمان ساكس توقعاتها لسعر الذهب في ديسمبر 2026 إلى 4,900 دولار للأوقية، مؤكدة أن الزخم الصعودي الحالي قد يستمر طالما بقيت المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية دون حلول واضحة. ويرى محللون أن هذا الاتجاه يعكس تحوّلًا استراتيجيًا في سلوك المستثمرين العالميين تجاه الذهب كأصل رئيسي للتحوط.