لم يكن عام 2025 عامًا تقليديًا في مسار أسواق المعادن النفيسة، بل مثّل نقطة تحول لافتة كسرت كثيرًا من القواعد الراسخة في أذهان المستثمرين.
فعلى مدار عقود، ظل الذهب هو العنوان الأبرز للتحوط وحفظ القيمة في أوقات الاضطراب، إلا أن الفضة خرجت هذا العام من موقعها التقليدي لتفرض نفسها لاعبًا رئيسيًا داخل المشهد المالي العالمي.
وكشفت أرقام الأداء مفاجأة غير مسبوقة؛ إذ حققت الفضة مكاسب تاريخية تجاوزت الذهب بفارق واسع، ما فتح باب التساؤلات حول طبيعة هذا التحول، وأسبابه، وما إذا كان يعكس ظرفًا استثنائيًا أم بداية لمسار طويل الأمد يعيد رسم خريطة الاستثمار في المعادن النفيسة.

أداء الذهب والفضة في 2025
تشير بيانات الأسواق إلى أن الفضة سجلت ارتفاعًا يقارب 128% خلال عام 2025، في مقابل مكاسب بلغت نحو 55% للذهب. هذا الفارق الكبير في الأداء لم يكن مجرد حركة سعرية عابرة، بل يعكس تحولًا أعمق في ديناميكيات العرض والطلب، وكذلك في نظرة المستثمرين إلى الدور الوظيفي لكل معدن داخل النظام المالي العالمي.
الذهب مقابل الفضة.. علاقة تاريخية وسلوك متغير
تاريخيًا، ارتبطت حركة الفضة بالذهب ارتباطًا وثيقًا، باعتبارهما معًا من فئة المعادن النفيسة. وفي حين يميل الذهب إلى التفوق في أوقات الأزمات وعدم اليقين، غالبًا ما تستفيد الفضة من فترات الانتعاش الاقتصادي بفضل استخدامها الصناعي الواسع.
لكن ما ميّز عام 2025 هو تداخل هذين السياقين معًا؛ إذ اجتمعت المخاوف الجيوسياسية والاقتصادية مع التفاؤل الحذر المرتبط بالتحول الصناعي والطاقة النظيفة، ما خلق بيئة مثالية لتفوق الفضة.
التضخم والدولار.. دعم مزدوج للفضة
رغم تراجع معدلات التضخم عن ذروتها، ظلت المخاوف التضخمية حاضرة لدى المستثمرين خلال عام 2025، ما دعم الطلب على الذهب كملاذ آمن تقليدي. وفي الوقت نفسه، استفادت الفضة من فترات ضعف الدولار النسبي، حيث أدى تراجع قيمة العملة الأمريكية إلى زيادة جاذبية المعادن المقومة بها للمستثمرين من خارج الولايات المتحدة، خاصة مع ارتفاع شهية المخاطرة لدى بعض الفئات.
الدور التقليدي للذهب.. ملاذ آمن رغم التفوق النسبي للفضة
في المقابل، حافظ الذهب خلال 2025 على مكانته الراسخة كملاذ آمن، مدعومًا بالتوترات الجيوسياسية والضغوط التضخمية المتقطعة وتراجع الثقة في بعض الأدوات المالية التقليدية.
وأكد أمير رزق أن ارتفاع الذهب بنسبة 55% في عام واحد يعد إنجازًا كبيرًا بحد ذاته، ويعكس استقرار جاذبيته في بيئة عالمية غير مستقرة، حتى وإن بدت تحركاته أقل حدة مقارنة بالفضة.
تغير سلوك المستثمرين تجاه الفضة
أحد أبرز دروس عام 2025 تمثل في التحول الواضح بسلوك المستثمرين تجاه الفضة، بعدما كانت تُعامل في كثير من الأحيان كأداة تحوط ثانوية أو فرصة مضاربية قصيرة الأجل. ومع الأداء القوي، بدأت الفضة تدخل بقوة ضمن استراتيجيات التنويع طويلة الأجل، خاصة لدى المستثمرين الباحثين عن الجمع بين التحوط والنمو.
قيود المعروض تضغط على الأسعار
لم يكن صعود الفضة مدفوعًا بالطلب وحده، إذ واجه جانب العرض تحديات واضحة. فإنتاج الفضة غالبًا ما يكون ناتجًا ثانويًا لاستخراج معادن أخرى مثل النحاس والزنك، ما يجعل زيادة المعروض استجابة لارتفاع الأسعار أمرًا صعبًا.
كما شهدت المخزونات العالمية تراجعًا ملحوظًا، ما زاد من حدة الضغوط السعرية مقارنة بسوق الذهب الأكثر عمقًا ومرونة.
تقلبات المعادن النفيسة.. المخاطر لا تغيب
قال نائب رئيس شعبة الذهب لطفي منيب إن مسيرة الفضة خلال 2025 لم تخلُ من المخاطر، نظرًا لطبيعتها الأكثر تقلبًا، حيث كانت بعض موجات الصعود عرضة لتصحيحات حادة، خاصة مع دخول تدفقات مضاربية.
وفي المقابل، ظل الذهب أقل عرضة للتقلبات الحادة، ما يعزز مكانته كأصل للاستقرار في أوقات عدم اليقين، ويجعل المقارنة بين المعدنين مسألة توازن بين العائد والمخاطرة.

















