شهدت أبحاث الرعاية الصحية تقدمًا كبيرًا في استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين طرق تشخيص الأمراض المزمنة وعلاجها، خاصة في مجال أمراض الرئة.
أحدث هذه التطورات هو تمكن الباحثين من تطوير تقنية جديدة باستخدام الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بتفاقم أعراض مرض الانسداد الرئوي المزمن (COPD) قبل أسبوع كامل من حدوثها، هذا الإنجاز يمثل طفرة في الرعاية الصحية لمرضى هذا المرض المزمن الذي يشكل تهديدًا كبيرًا لصحة الملايين حول العالم.
في دراسة نُشرت في مجلة ERJ Open Research، تمكن العلماء من استخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتحليل عينات البول من مرضى مرض الانسداد الرئوي المزمن، مما يسمح لهم بالكشف المبكر عن التغيرات البيولوجية التي قد تشير إلى بداية تفاقم الأعراض.
وقد أظهرت النتائج أن الذكاء الاصطناعي يمكنه التنبؤ بالتدهور الصحي قبل حدوثه بأسبوع كامل، مما يوفر فرصة للمرضى والأطباء لاتخاذ إجراءات وقائية مبكرًا.
التقنية الحديثة وآلية عملها
أُجريت هذه الدراسة تحت إشراف البروفيسور كريس برايتلينج من جامعة ليستر في المملكة المتحدة، حيث قاد فريقًا من الباحثين لتطوير أداة مبتكرة تساعد في التنبؤ بنوبات تفاقم مرض الانسداد الرئوي المزمن، هذه النوبات، التي تمثل تهديدًا حقيقيًا لحياة المرضى، قد تؤدي إلى دخول المستشفى والزيادة في التكاليف الصحية.
في إطار البحث، طُلب من المرضى إجراء اختبار بسيط باستخدام شرائط اختبار البول يوميًا، ومن ثم إرسال النتائج عبر هواتفهم المحمولة إلى الفريق البحثي.
ركز الباحثون على عينات البول لـ 55 مريضًا يعانون من مرض الانسداد الرئوي المزمن، حيث قاموا بتحليل التغيرات في المؤشرات الحيوية التي قد تكون مرتبطة بتفاقم الأعراض، وتضمنت هذه المؤشرات مجموعة من البروتينات والجزيئات الكيميائية التي يتغير مستواها عند حدوث تفاقم في حالة المرض.
من خلال خوارزمية ذكاء اصطناعي تعرف باسم “الشبكة العصبية الاصطناعية”، استطاع الفريق تحديد الأنماط المرتبطة بتغيرات المؤشرات الحيوية، وبفضل هذه التقنية، تمكنوا من التنبؤ بتفاقم أعراض المرض قبل أن يظهر على المريض أي علامات مرئية لهذه التغيرات.
يشكل هذا الإنجاز خطوة كبيرة نحو تحسين نوعية حياة مرضى الانسداد الرئوي المزمن. فقد أكدت الدراسة أن التنبؤ المبكر بتفاقم الأعراض يتيح للمختصين تعديل العلاجات أو اتخاذ إجراءات وقائية مثل تجنب المحفزات التي قد تساهم في تفاقم الحالة.
إلى جانب ذلك، يسهم هذا الابتكار في تخفيف العبء على النظام الصحي، حيث يمكن للمرضى تلقي العلاج المناسب قبل حدوث نوبات صحية شديدة، مما يقلل من الحاجة إلى دخول المستشفى،كما أن استخدام الذكاء الاصطناعي لتخصيص العلاجات يمكن أن يسهم في تحسين فعالية العلاج، ويخفض من تكاليف الرعاية الصحية بشكل عام.
وقال البروفيسور برايتلينج، الذي قاد هذه الدراسة: “يعد هذا الاكتشاف بمثابة تحول كبير في طريقة تعاملنا مع مرض الانسداد الرئوي المزمن. بفضل الذكاء الاصطناعي، يمكننا الآن التنبؤ باحتياجات كل مريض بشكل فردي، وبالتالي توفير العلاج المناسب في الوقت المناسب، وهو ما يعزز الانتقال من العلاج التفاعلي إلى العلاج الاستباقي.”
بينما يمثل هذا الاكتشاف تحولًا كبيرًا في علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن، فإن العلماء يطالبون بمزيد من الأبحاث لتوسيع نطاق الدراسة واختبار هذه التقنية على مجموعة أكبر من المرضى.
ويؤكد البروفيسور برايتلينج أن الخوارزميات المستخدمة بحاجة إلى مزيد من التطوير لتشمل قاعدة بيانات أكبر وأوسع من المرضى، مما سيسهم في تحسين دقة التنبؤات وتحقيق نتائج أفضل.
وفي هذا السياق، يرى البروفيسور أبوستولوس بوسيوس، من معهد كارولينسكا في السويد، أن هذا الاكتشاف يمثل بداية لمرحلة جديدة في علاج مرض الانسداد الرئوي المزمن.
ويؤكد أن التنبؤ المبكر بتفاقم الأعراض يمكن أن يساعد المرضى في تجنب الدخول في حالات صحية خطيرة قد تتطلب العلاج المكثف أو دخول المستشفى، ما يساعد في الحفاظ على صحة المرضى وتحسين نوعية حياتهم.
من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، نجح الباحثون في تطوير أداة جديدة للتنبؤ بتفاقم مرض الانسداد الرئوي المزمن قبل حدوثه بأسبوع. يعد هذا الإنجاز خطوة نحو تحسين الرعاية الصحية وتخصيص العلاجات بشكل فردي لكل مريض، مما يقلل من المخاطر الصحية ويخفض التكاليف.
ومع استمرار الأبحاث لتوسيع نطاق هذه التقنية، يمكن أن تفتح هذه النتائج الباب لتطوير أدوات تشخيصية مبتكرة أخرى لمجموعة من الأمراض المزمنة، مما سيحسن الرعاية الصحية على مستوى العالم بشكل غير مسبوق.