في السنوات الأخيرة، دخل الذكاء الاصطناعي مجال الطب بشكل متسارع، ليحدث تحولات كبيرة في طرق التشخيص والعلاج، ويُحسّن من كفاءة العديد من الإجراءات الطبية.
أحد المجالات التي استفادت بشكل خاص من هذا التقدم هو التنظير الداخلي، وهو إجراء طبي يستخدم أنبوبًا رفيعًا ومرنًا مزودًا بكاميرا لفحص أجزاء معينة من الجسم.
وعلى الرغم من أن هذا الإجراء يُعد بسيطًا نسبيًا، إلا أن تحليل الصور الناتجة يتطلب دقة كبيرة لضمان اكتشاف أي تشوهات أو أمراض، وهو ما قد يمثل تحديًا للبشر، ولكن مع ظهور الذكاء الاصطناعي، أصبح هناك إمكانية لتحسين هذا الإجراء بشكل كبير، مما يسهم في تعزيز دقة التشخيص وتسريع الإجراءات.
تحسين دقة الكشف عن التشوهات
يعد تحسين دقة الكشف عن التشوهات من أبرز المزايا التي يقدمها الذكاء الاصطناعي في مجال التنظير الداخلي، فغالبًا ما يستخدم التنظير الداخلي لاكتشاف التشوهات الصغيرة التي قد تشير إلى أمراض مثل الأورام الحميدة أو الكتل السرطانية، والتي يكون من الصعب اكتشافها في مراحل مبكرة باستخدام الأساليب التقليدية.
الدراسات أظهرت أن الذكاء الاصطناعي يمكنه اكتشاف هذه التشوهات بدقة عالية، في عام 2017، استطاعت الخوارزميات الذكية اكتشاف الأورام الحميدة بنسبة 86% من الدقة، بينما حقق الأطباء الخبراء 74% فقط.
واليوم، مع التقدم المستمر، حققت أنظمة الذكاء الاصطناعي دقة تصل إلى 96.4%، مما يجعلها أداة قوية لمساعدة الأطباء في اكتشاف التشوهات التي قد يغفل عنها الإنسان، مما يتيح علاج المرض في مراحله المبكرة وتحقيق نتائج علاجية أفضل.
ورغم هذه التقدمات، لا تزال الأدوار الأساسية للأطباء ضرورية، حيث يعمل الذكاء الاصطناعي على دعم التشخيصات وليس استبدالها، هذا التعاون بين الذكاء الاصطناعي والخبرة الطبية يُعزز من دقة التشخيص وسرعته.
إحدى الفوائد الأخرى الهامة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي هي القدرة على تصنيف الأورام واكتشاف الأنواع المختلفة من التشوهات المكتشفة، وهو أمر بالغ الأهمية حيث أن كل نوع من الأورام يتطلب نهجًا علاجيًا مختلفًا.
على سبيل المثال، استطاع أحد النماذج الذكية التمييز بين أورام القولون والمستقيم بدقة تصل إلى 87%، وهي دقة مماثلة لخبراء علم الأمراض، هذه القدرة على التصنيف السريع والدقيق تعني أن الأطباء يمكنهم تشخيص المرض بشكل أسرع وأدق، مما يساعد في اتخاذ قرارات علاجية أسرع وأكثر فاعلية.
عند الحديث عن فائدة الذكاء الاصطناعي، لا يمكن إغفال دور السرعة في تحسين الإجراءات الطبية، ففي حين أن الدقة هي العامل الأهم في التشخيص، تأتي السرعة لتُحسن من سير العمليات وتقلل من التأخيرات التي قد تؤثر على علاج المرضى.
يعمل الذكاء الاصطناعي على تسريع عمليات التنظير الداخلي من خلال مساعدة الأطباء في تحليل الصور وتقديم تقارير دقيقة في وقت أسرع، مما يُمكّن الأطباء من علاج عدد أكبر من المرضى في وقت أقل، ما يسهم في تحسين النتائج العلاجية بشكل عام.
من التحديات الأخرى التي يواجهها التنظير الداخلي مخاطر التلوث والعدوى. حيث تشير الدراسات إلى أن حوالي 1 من كل 1000 مريض قد يصاب بعدوى بسبب عمليات التنظير.
ويمكن للذكاء الاصطناعي المساعدة في تقليل هذه المخاطر من خلال ضمان تعقيم المناظير وتخزينها بشكل آمن باستخدام خزائن تجفيف ذكية.
تعمل خزائن التجفيف هذه على استخدام أنظمة ترشيح هواء عالية الكفاءة (HEPA) لضمان تعقيم المناظير بشكل كامل بعد كل استخدام، بالإضافة إلى ذلك، تتابع خوارزميات الذكاء الاصطناعي الظروف داخل الخزائن وتقوم بتعديل إعدادات التعقيم بشكل لحظي للحفاظ على بيئة معقمة دائمًا.
تعد عملية التدريب على إجراء التنظير الداخلي أمرًا حيويًا للأطباء الجدد، لكن نظرًا للتحديات المعقدة التي يواجهها الأطباء في تحديد التشوهات المختلفة، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد في تعليم المتدربين كيفية التعرف على الأورام والأمراض المختلفة من خلال محاكاة الصور التشخيصية.
باستخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن للمتدربين مشاهدة أمثلة واقعية للأورام المختلفة وممارستها في بيئة محاكاة، مما يسهل عليهم تعلم المهارات اللازمة للتعامل مع الحالات الواقعية بثقة ودقة.
يُظهر الذكاء الاصطناعي إمكانيات كبيرة لتحسين دقة وكفاءة التنظير الداخلي في الطب، من خلال تحسين دقة الكشف عن التشوهات، وتقديم تصنيف دقيق للأورام، وتسريع العمليات وتقليل مخاطر العدوى، بالإضافة إلى المساهمة في تدريب الأطباء، يساهم الذكاء الاصطناعي في تحسين تجارب المرضى وتقديم الرعاية الطبية بشكل أكثر دقة وفعالية.
ومع استمرار التطور التكنولوجي، يُتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا أساسيًا في جميع جوانب الرعاية الصحية، مما يعزز من قدرات الأطباء ويزيد من فرص تحسين نتائج العلاج.