شهد الاقتصاد الأمريكي تطورات ملحوظة خلال الأشهر الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بالسياسة النقدية التي ينتهجها مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي). وفي أول اجتماعاته لعام 2025، قرر الفيدرالي الأمريكي تثبيت سعر الفائدة الرئيسي عند نطاق 4.25%-4.50%، وذلك بعد سلسلة من التخفيضات التي تمت خلال العام السابق، والتي خفضت الفائدة من 5.25%-5.50% إلى مستوياتها الحالية.
يأتي هذا القرار في ظل تحديات متعددة، أبرزها استمرار التضخم عند مستويات أعلى من المستهدف البالغ 2%، والتدخلات السياسية غير التقليدية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي بدأ ولايته الثانية بضغط واضح على الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة وتحفيز الاقتصاد. كما تبرز مخاوف من تأثير سياسات ترامب الاقتصادية، بما في ذلك التعريفات الجمركية وترحيل المهاجرين، على معدلات النمو والتضخم.
تثبيت الفائدة: أول قرارات الفيدرالي في 2025
أعلن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في اجتماعه الأول لعام 2025 عن تثبيت سعر الفائدة عند 4.25%-4.50%، ليبقى عند مستواه بعد ثلاث تخفيضات متتالية خلال العام الماضي. جاء هذا القرار مدفوعًا بعدة عوامل، من بينها:
- استمرار التضخم عند مستويات تفوق 2%، رغم تراجعه إلى 2.9% في ديسمبر 2024.
- عدم رغبة الفيدرالي في التسرع بخفض إضافي للفائدة قبل التأكد من استمرار انخفاض التضخم بشكل مستدام.
- قوة سوق العمل، حيث انخفض معدل البطالة إلى 4.1%، مما يشير إلى استقرار الاقتصاد رغم ارتفاع تكاليف الاقتراض.
ترامب يضغط لخفض الفائدة: هل يخضع الفيدرالي؟
خلال مشاركته في منتدى دافوس بسويسرا، صرّح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه سيعمل على خفض أسعار الطاقة، وسيدفع الفيدرالي إلى خفض تكاليف الاقتراض. وعندما سُئل عما إذا كان يتوقع استجابة الفيدرالي لضغوطه، أجاب: “نعم”.
هذا الموقف يعد خروجًا عن الأعراف السياسية، حيث اعتادت الإدارات الأمريكية السابقة على احترام استقلالية الفيدرالي وعدم التدخل في قراراته. ومع ذلك، يرى محللون أن خطط ترامب الاقتصادية، مثل زيادة التعريفات الجمركية على الواردات وخفض الضرائب، قد تؤدي إلى تضخم إضافي يمنع الفيدرالي من تنفيذ تخفيضات كبيرة في أسعار الفائدة خلال العام الجاري.
هل تتأثر الأسواق وأسعار الفائدة المستقبلية بقرارات الفيدرالي؟
رغم تثبيت الفائدة، لا تزال الأسواق تترقب تحركات الفيدرالي القادمة. يتوقع معظم الاقتصاديين في جولدمان ساكس أن الفيدرالي قد يخفض أسعار الفائدة مرتين فقط خلال 2025، في يونيو وديسمبر، مع استبعاد خفضها في مارس إلا بنسبة ضئيلة تصل إلى 33%.
في الوقت نفسه، ارتفعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى 4.80%، مما يعكس توقعات المستثمرين بأن التضخم سيظل مرتفعًا لفترة أطول، وهو ما قد يجعل تخفيضات الفائدة أقل احتمالًا.
الاقتصاد الأمريكي بين النمو والتحديات المستقبلية
تشير البيانات الاقتصادية الأخيرة إلى أن الاقتصاد الأمريكي لا يزال في وضع جيد رغم ارتفاع أسعار الفائدة. فقد نما الناتج المحلي الإجمالي بمعدل 3% خلال الربع الأخير من 2024، بدعم من الإنفاق الاستهلاكي القوي، بينما استمر أصحاب العمل في إضافة أكثر من 250 ألف وظيفة شهريًا.
لكن المخاوف لا تزال قائمة، حيث قد تؤدي سياسات ترامب الاقتصادية، مثل فرض تعريفات جمركية بنسبة 25% على الواردات من كندا والمكسيك، إلى ارتفاع تكاليف السلع، مما يعيد الضغوط التضخمية إلى الواجهة. كما أن خطط ترحيل المهاجرين قد تؤثر على سوق العمل، مما قد يؤدي إلى نقص في اليد العاملة وارتفاع في الأجور، وبالتالي زيادة معدلات التضخم.
مستقبل السياسة النقدية في ظل التحديات
يثير قرار الفيدرالي بتثبيت الفائدة تساؤلات حول مستقبله في ظل التدخلات السياسية من إدارة ترامب، والضغوط الاقتصادية المستمرة. وبينما يتوقع بعض المحللين تخفيضات لاحقة في أسعار الفائدة، فإن الأسواق المالية لا تزال مترددة بشأن حجم هذه التخفيضات وتوقيتها.
في النهاية، يظل التحدي الأكبر أمام جيروم باول والفيدرالي هو تحقيق التوازن بين كبح التضخم ودعم النمو الاقتصادي، وسط بيئة سياسية معقدة واقتصاد عالمي يواجه تقلبات مستمرة.