أثار تطبيق الذكاء الاصطناعي الصيني “ديب سيك” (DeepSeek) موجة من الجدل والمخاوف في أوروبا والغرب بشأن مصير بيانات المستخدمين وآليات معالجتها، مما دفع السلطات التنظيمية إلى اتخاذ إجراءات صارمة ضده. وكانت إيطاليا أولى الدول التي أقدمت على حجب التطبيق من متجري آبل وجوجل، وسط تصاعد المخاوف من استغلال البيانات الشخصية لأغراض غير معلنة.
ووفقًا لما نشرته صحيفة الجارديان البريطانية، فإن الأزمة المحيطة بـ “ديب سيك” تتجاوز مجرد مخاوف الخصوصية، حيث ترتبط بتداعيات اقتصادية، وتنافسية، وأمنية تهدد الشركات الغربية، مما يجعل القضية محط اهتمام واسع لدى الهيئات التنظيمية الأوروبية.
وفي ظل تصاعد التحقيقات حول امتثال التطبيق لقواعد حماية البيانات الأوروبية (GDPR)، بات مستقبل “ديب سيك” في القارة العجوز موضع شك، خاصة مع التحذيرات الأمنية بشأن إمكانية استغلال الحكومة الصينية للبيانات المخزنة على خوادم التطبيق. فهل سيكون “ديب سيك” الضحية القادمة للحرب التكنولوجية بين الشرق والغرب؟
إيطاليا تحجب التطبيق رسميًا
أعلنت هيئة حماية البيانات الإيطالية “جارانتي” عن حجب “ديب سيك” من متجري آبل وجوجل داخل البلاد. وأكدت الهيئة أن التطبيق الصيني يثير تساؤلات خطيرة حول كيفية جمع ومعالجة البيانات الشخصية للمستخدمين الأوروبيين، مشيرةً إلى أنه سيتم منح الشركة مهلة 20 يومًا لتقديم ردود واضحة بشأن الأساس القانوني الذي تستند إليه في جمع البيانات ومصادرها وأغراض استخدامها.
وأوضحت الصحيفة أن باسكوال ستانزيوني، رئيس هيئة حماية البيانات الإيطالية، شدد على أن مكتبه سيجري تحقيقًا معمقًا للتأكد من امتثال التطبيق للقواعد الأوروبية الخاصة بحماية البيانات (GDPR).
امتداد القلق إلى دول أوروبية أخرى
لم تقتصر المخاوف الأمنية حول “ديب سيك” على إيطاليا، فقد أعلنت هيئة حماية البيانات الأيرلندية أنها طلبت توضيحات رسمية من الشركة الصينية المطورة للتطبيق حول كيفية معالجة بيانات المستخدمين في أيرلندا.
وبحسب التقارير، فإن هذا التحرك يشير إلى وجود قلق أوروبي مشترك بشأن طبيعة البيانات التي يجمعها التطبيق، وخصوصًا في ظل قانون الاستخبارات الوطني الصيني، الذي يلزم الشركات المحلية بالتعاون مع أجهزة الأمن والاستخبارات الصينية.
هل يتم استغلال بيانات المستخدمين لأغراض غير معلنة؟
كشفت سياسة الخصوصية الخاصة بالتطبيق أنه يخزن بيانات المستخدمين على خوادم داخل الصين، وهو الأمر الذي أثار حفيظة السلطات الأوروبية. ففي ظل التشريعات الصينية التي تجبر الشركات على التعاون مع الحكومة، هناك مخاوف حقيقية من إمكانية مشاركة بيانات المستخدمين الأوروبيين مع السلطات الصينية، مما قد يشكل تهديدًا خطيرًا للأمن السيبراني في الدول الغربية.
تحذيرات من استغلال البيانات خارج النطاق التجاري
أوضحت الجارديان أن العديد من الخبراء يحذرون من أن بيانات المستخدمين التي يتم جمعها عبر “ديب سيك” قد يتم استخدامها لأغراض تتجاوز الاستخدام التجاري التقليدي، وهو ما يعزز المخاوف بشأن الرقابة والتجسس الرقمي.
خسائر ضخمة للشركات الغربية
لم تقتصر أزمة “ديب سيك” على الجانب الأمني فقط، بل كان لها انعكاسات اقتصادية ضخمة، حيث كشفت الجارديان عن خسائر فادحة في أسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية، قدرت بنحو تريليون دولار.
وتعكس هذه الخسائر حجم المنافسة المحتدمة بين الولايات المتحدة والصين في قطاع الذكاء الاصطناعي، حيث باتت الشركات الصينية تنافس بقوة في هذا المجال، مما يهدد الهيمنة الغربية على الأسواق العالمية.
OpenAI تفتح النار على “ديب سيك”
في تطور آخر، أعلنت شركة OpenAI، المطورة لتطبيق ChatGPT، عن فتح تحقيق داخلي بشأن تقارير تفيد بأن “ديب سيك” قام باستخدام غير مصرح به لنماذجها التقنية، وذلك من خلال عملية تُعرف باسم “التقطير”، والتي تهدف إلى تحسين أداء النماذج الذكية بناءً على بيانات منافسة.
ويضيف هذا الاتهام بُعدًا جديدًا للأزمة، حيث قد تواجه الشركة الصينية إجراءات قانونية صارمة إذا ثبت تورطها في انتهاك حقوق الملكية الفكرية الخاصة بـ OpenAI.
مستقبل “ديب سيك”
على الرغم من الأزمة المتزايدة في أوروبا، إلا أن “ديب سيك” حقق نجاحًا كبيرًا عالميًا، حيث تصدر قائمة التطبيقات الأكثر تحميلاً في متجر آبل داخل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، مما يعكس الإقبال الكبير على تطبيقات الذكاء الاصطناعي الصينية.
احتمالية توسع الحظر إلى دول أوروبية أخرى
وفقًا لمصادر أوروبية، فإن التحقيقات الجارية قد تؤدي إلى فرض مزيد من القيود على التطبيق في دول أخرى، مما قد يضع مستقبل “ديب سيك” في أوروبا على المحك.