شهدت أسواق النفط العالمية حالة من التقلب غير المعتاد خلال الساعات الماضية، وسط تصعيد عسكري لافت بين إيران وإسرائيل، شمل استهدافًا مباشرًا لقاعدة أمريكية في قطر، في مشهد كان كفيلًا سابقًا بدفع الأسعار إلى مستويات قياسية لكن هذه المرة، جاءت المفاجأة من الأسواق نفسها، إذ هوى سعر خام برنت بأكثر من 7% في غضون ساعات، في ما اعتبره مراقبون “ضربة للافتراضات الكلاسيكية” التي تربط بين التوترات الجيوسياسية وارتفاع أسعار النفط.
السوق لم تخدع بصور الصواريخ ولا حالة الذعر الإعلامي، بل قرأت الموقف من زاوية مختلفة فاللاعبون يعرفون أن ما يحدث لا يهدد تدفق النفط فعليًا، بل يمثل “استعراضًا محسوبًا”، في وقت يشهد فيه العالم وفرة في المعروض ومرونة غير مسبوقة في سلاسل الإمداد.
تفاصيل الانخفاض المفاجئ في أسعار النفط
فور إعلان إيران عن إطلاق صواريخ على قاعدة أمريكية في قطر، الساعة 5:30 مساءً بتوقيت لندن، تحرك خام برنت عكس المتوقع، لينخفض تدريجيًا بنسبة 3% في أول 20 دقيقة ثم استمر الانخفاض حتى بلغت نسبة الهبوط 7.2% عند سعر 71.48 دولارًا للبرميل بحلول الساعة 7:30 مساءً، وهو أكبر تراجع يومي منذ 3 سنوات.
وفي اليوم التالي، استمرت موجة البيع، حيث هبط برنت بنسبة 6.1% إضافية بعد إعلان وقف إطلاق نار مؤقت بين طهران وتل أبيب بوساطة أمريكية.
هجوم رمزي أم تصعيد حقيقي؟
قال محللون إن رد الفعل الهادئ نسبيًا من الأسواق كان نتيجة قراءة واعية للمشهد، فـ صور الأقمار الصناعية وتغريدات على تويتر أظهرت إخلاء القاعدة المستهدفة من الطائرات الأمريكية قبل أيام، ما رجّح فرضية أن الهجوم رمزي ومخطط مسبقًا دون نية للتصعيد.
وأكد المحلل خورخي مونتيبيكي من شركة “أونيكس كابيتال”:
“الأمر مدبر.. كنا نعلم أن القاعدة فارغة منذ 18 يونيو.. لقد شاهدنا هذا الفيلم من قبل”.
لماذا لم تتأثر تدفقات النفط؟
رغم التوتر، لم تتأثر البنية التحتية للنفط والغاز، بل على العكس، زادت إيران من صادراتها النفطية ووفقًا لشركة “ريستاد”، فإن تراجع قدرة طهران على التكرير المحلي دفعها إلى ضخ مزيد من الخام للتصدير.
وتكرّر السيناريو نفسه في الهجوم الإسرائيلي الأول، إذ ارتفعت الأسعار 5.5%، ثم تراجعت لاحقًا بمجرد التأكد من أن إيران لن تغلق مضيق هرمز، وهو التهديد الحقيقي الذي يُقلق الأسواق فعليًا.
وقالت أمريتا سين من مؤسسة “إنرجي أسبكتس”:
“كان الجميع يترقب استهداف مضيق هرمز.. وعندما اتضح أن هذا لن يحدث، انهارت علاوة المخاطر”.
وفرة المعروض العالمي تكبح الأسعار
يعزز هذا الاتجاه تخمة المعروض العالمي، حيث رفعت منظمة أوبك+ إنتاجها، كما استمرت الولايات المتحدة في إنتاج النفط الصخري بمعدلات غير مسبوقة.
وقالت الخبيرة في بنك RBC، هيليما كروفت، إن واشنطن لم تلجأ إلى السحب من احتياطي النفط الاستراتيجي، ما يعكس ثقة الإدارة الأمريكية في وجود إمدادات كافية.
الخيارات والبيع الآلي عمّقا التراجع
مع انخفاض الأسعار، اضطر متداولون في سوق المشتقات (الخيارات) إلى بيع المزيد من العقود الآجلة لتغطية خسائرهم، ما زاد من حدة التراجع.
وقال إيليا بوشويف، الرئيس السابق لـ”كوتش جلوبال بارتنرز”:
“الهبوط السريع أجبر المتداولين على البيع لتقليل الخسائر، ما عمّق الانهيار”.
وأضاف الوسيط آل مونرو من شركة “ماريكس”:
“شهد السوق اندفاعًا مجنونًا نحو الأعلى، ثم اندفاعًا مجنونًا نحو الأسفل”.
هل تستقر السوق أم تواصل الانحدار؟
تشير التوقعات إلى أن أسعار النفط قد تتراجع إلى مستويات بين 50 و60 دولارًا للبرميل مع نهاية العام، في حال استمر الاستقرار الجيوسياسي وتوافرت بدائل كافية.
ويجمع المراقبون على أن أي صدمة جيوسياسية جديدة سترفع الأسعار مؤقتًا، لكنها لن تصمد طويلًا، لأن السوق أصبح يتبنى نمطًا جديدًا:
“الشراء عند الصدمة، والبيع عند أول إشارة للهدوء”.