في وقت يشهد فيه الدولار الأمريكي تراجعاً نسبياً وتذبذبات متكررة في سعر صرفه، تسعى الصين بخطى متسارعة لإعادة طرح عملتها المحلية، اليوان، كخيار بديل في التجارة الدولية، مستغلة حالة عدم اليقين النقدي العالمي، وفق ما تناولته حلقة هذا الأسبوع من برنامج “تقرير آسيا“ على قناة “الشرق”.
ويأتي هذا التوجه في ظل أداء إيجابي متصاعد للعملات الآسيوية خلال العام الجاري، مدفوعًا بتهدئة التوترات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وتراجع أسعار النفط، وتزايد التوقعات بأن يقدم الاحتياطي الفيدرالي الأميركي على خفض أسعار الفائدة قبل سبتمبر المقبل، في ضوء تقارير تشير إلى تفكير الرئيس الأميركي دونالد ترمب في استبدال مبكر لرئيس المجلس جيروم باول.
تراجع الدولار يعزز موقف اليوان
سجل الدولار تراجعًا مقابل اليوان من أعلى مستوى بلغه في يناير الماضي عند 7.33، ليستقر حاليًا عند 7.17 لكل دولار واحد، ما يشير إلى تحركات ملموسة لصالح العملة الصينية.
وتُظهر الصين جدية في تعزيز مكانة عملتها عالميًا، معتبرة أن قرارات الإدارة الأميركية المتذبذبة أثرت سلبًا على الثقة بالدولار، ما قد يقلل من اعتماده دوليًا، ويمنح اليوان فرصة ذهبية للانطلاق.
البنية التحتية شرط أساسي لتعزيز دور اليوان
قال كريستوفر وونغ، المدير التنفيذي واستراتيجي العملات في بنك “أو سي بي سي” (OCBC)، إن الوقت يبدو مناسبًا أمام بكين لدفع اليوان إلى الساحة الدولية، لكنه شدد على أن الأمر يتطلب استعدادًا هيكليًا كبيرًا، لا سيما عبر تطوير نظام بديل لنظام التحويل المالي العالمي “سويفت”.
وأوضح وونغ أن خطة توسيع دور اليوان تعود إلى سنوات مضت، إلا أن التنفيذ شهد بطئًا حتى بدأت التوترات الجيوسياسية العالمية الأخيرة تدفع بعض الأسواق للتفكير في بدائل للدولار. وأضاف أن بكين حققت تقدمًا ملموسًا في هذا المسار خلال السنوات الثلاث الماضية، لكن الطريق ما يزال طويلًا أمام جعل اليوان عملة دولية رئيسية.
العملات الآسيوية تواصل الصعود
توقع وونغ استمرار الأداء القوي للعملات الآسيوية، مثل اليوان الصيني والين الياباني والوون الكوري، مدعومًا بتوجه المؤسسات المالية وصناديق الاستثمار إلى تقليل تعرضها للدولار كوسيلة للتحوط من تذبذباته.
ويرى وونغ أن هذه التوجهات قد تعزز من تحركات الأسواق نحو تنويع سلة العملات المستخدمة في التبادل التجاري، خاصة في ظل تزايد المخاطر المرتبطة بالعملة الأميركية.
هونغ كونغ والدولار.. ربط مستمر رغم الضغوط
تواجه هونغ كونغ تساؤلات متكررة بشأن استمرار ربط عملتها بالدولار الأميركي، لا سيما بعد التدخل الأخير بقيمة 1.2 مليار دولار للإبقاء على سعر صرف الدولار الهونغ كونغي دون الحد الأعلى البالغ 7.85.
وأكد وونغ أن سلطات هونغ كونغ ستستمر في سياسة ربط العملة، لكنها ستتدخل عند محاولة السعر تجاوز نطاقاته المحددة، لضمان استقرار النظام النقدي المحلي.
الدولار السنغافوري يثبت جدارته كعملة ملاذ
أما الدولار السنغافوري، فيتوقع أن يواصل أداءه الإيجابي، مدعومًا بمكانته كعملة ملاذ آمن، ومرتكزًا على قوة أساسيات الاقتصاد الكلي لسنغافورة.
وأشار وونغ إلى أن المستثمرين ينظرون إلى الدولار السنغافوري كخيار آمن وسط اضطرابات السوق العالمية، ما يعزز من قيمته أمام العملات الأخرى، بما فيها الدولار الأميركي.
التعريفات الجمركية تهدد الاستقرار النقدي
رغم التوجهات الإيجابية، تواجه الأسواق الآسيوية تحديات حقيقية على صعيد السياسات التجارية، مع قرب انتهاء مهلة الـ90 يومًا في 8 يوليو المقبل، دون التوصل لاتفاقيات جديدة مع الولايات المتحدة. ويخشى مراقبون من عودة الرسوم الجمركية المرتفعة، ما قد يؤدي إلى تباطؤ الصادرات الآسيوية.
وحذر وونغ من أن استمرار الغموض حول التعريفات قد ينعكس سلبًا على العملات الآسيوية، رغم أنها قد تؤثر أيضًا على الثقة بالدولار. وأوضح أن استمرار النمو الاقتصادي في آسيا هو الشرط الأهم لدعم استقرار عملاتها، مضيفًا: “إذا تواصل النمو القوي، فإن عملات آسيا ستظل محافظة على قوتها”.