شهد سوق الصرف المصري خلال الأيام الأخيرة تطورات لافتة أعادت الجنيه المصري إلى واجهة المشهد الاقتصادي، بعدما تراجع سعر الدولار دون مستوى 48 جنيهًا لأول مرة منذ أكثر من عام.
وجاء هذا الانخفاض نتيجة حزمة من العوامل الاقتصادية الإيجابية، أبرزها تدفقات استثمارية ضخمة من الخارج، وانتعاش موارد النقد الأجنبي، إلى جانب صفقات استراتيجية تعزز مكانة مصر على خريطة الاستثمار العالمية.
وتطرح هذه المستجدات تساؤلات حول مستقبل سعر الدولار أمام الجنيه، وما إذا كانت هذه المؤشرات الإيجابية قادرة على دفع العملة المحلية لمزيد من الاستقرار في ظل التحديات الاقتصادية الإقليمية والدولية.
تراجع سعر الدولار لأول مرة منذ عام
سجل سعر الدولار تراجعًا ملحوظًا خلال اليومين الماضيين بنحو 55 قرشًا، ليستقر عند 47.95 جنيه للشراء و48.05 جنيه للبيع، وهو أدنى مستوى منذ منتصف يوليو 2024.
وجاء أعلى سعر للدولار اليوم عند 48.41 جنيه للبيع في بعض البنوك، بينما انخفض في بنوك أخرى مثل “المصرف المتحد” و”نكست” إلى حدود 47.95 جنيه.
صفقة استثمارية كبرى بالبحر الأحمر
وتعد أحد أبرز العوامل التي عززت مكاسب الجنيه، هي توقيع مصر اتفاقية استثمارية عملاقة مع تحالف سعودي–إماراتي لإنشاء مشروع سياحي متكامل على ساحل البحر الأحمر، بقيمة تتجاوز 900 مليار جنيه (نحو 18.5 مليار دولار). ومن المتوقع أن تضخ هذه الصفقة تدفقات دولارية جديدة تعزز من الاحتياطي النقدي وتزيد المعروض من العملة الصعبة في السوق المحلي.
تعزيز الاحتياطي النقدي والذهب
أعلن البنك المركزي المصري ارتفاع صافي الاحتياطيات الدولية إلى 49.250 مليار دولار بنهاية أغسطس 2025، مقابل 49.036 مليار دولار في يوليو.
كما ارتفعت قيمة احتياطي الذهب إلى 14.088 مليار دولار، ما يعكس تحسنًا ملحوظًا في الأصول الأجنبية لمصر، ويزيد من قدرة الدولة على مواجهة الضغوط الاقتصادية العالمية.
ثقة المستثمرين الأجانب والصفقات السابقة
لم يكن مشروع البحر الأحمر الأول من نوعه، حيث سبقته صفقة رأس الحكمة مع الإمارات في فبراير 2024، التي ضخت 24 مليار دولار مباشرة في الاقتصاد المصري، إضافة إلى 11 مليار دولار استثمارات أخرى.
وعززت هذه الصفقات ثقة المستثمرين ورفعت مصر إلى المرتبة التاسعة عالميًا بين أكثر الدول جذبًا للاستثمار الأجنبي المباشر في 2024.
خبراء: مكاسب الجنيه مشروطة بالاستقرار
يرى خبراء مصرفيون أن استمرار قوة الجنيه مرهون بعوامل متعددة، أهمها استقرار الأوضاع الجيوسياسية بالمنطقة، والحفاظ على وتيرة تدفق الاستثمارات الأجنبية والسياحة وتحويلات العاملين بالخارج.
كما أكدوا أن سياسة الصرف المرن التي يطبقها البنك المركزي منذ مارس 2024، أسهمت في جعل السوق أكثر توازنًا بين العرض والطلب على الدولار.
مستقبل الدولار أمام الجنيه
تشير التوقعات إلى أن الجنيه قد يواصل مكاسبه إذا استمرت تدفقات العملات الأجنبية بنفس الزخم، خاصة مع زيادة استثمارات الأجانب في أذون وسندات الخزانة، وبدء تنفيذ مشروعات استراتيجية كبرى ومع ذلك، يبقى المشهد مرهونًا بتطورات الأسواق العالمية والإقليمية.