في تحول اقتصادي يعكس الديناميكيات المتسارعة للأسواق العالمية، أصبحت الفضة تحتل المرتبة السادسة بين أكبر الأصول من حيث القيمة السوقية، متجاوزة عملاق التجارة الإلكترونية أمازون في مفاجأة أذهلت المتابعين للمشهد الاقتصادي.
وقال محمود جمال سعيد، الباحث الاقتصادي والمتخصص في أسواق المال أن هذا الحادث ليس صدفة عابرة، بل نتيجة لعوامل هيكلية تجمع بين الطلب الاستثماري والصناعي، مما يجعل الفضة أحد أبرز اللاعبين في ساحة الاستثمارات الآمنة والمبتكرة. مع قيمة سوقية تقارب 2.47 تريليون دولار أمريكي، مقابل حوالي 2.45 تريليون لأمازون، تبرز الفضة كرمز للتحول نحو الأصول الملموسة في ظل الشكوك الاقتصادية، حيث يفضل المستثمرون المعادن الثمينة على الشركات التكنولوجية التي تواجه تحديات تنظيمية ومنافسة متزايدة.
حتى نهاية تعاملات اليوم يستقر سعر الفضة عند مستويات قياسية تصل إلى حوالي 44 دولار أمريكي للأونصة التروية، مع ارتفاع يومي يقارب 1.5% مقارنة بالإغلاق السابق. خلال الأسبوع الماضي، شهد السعر تقلبات محدودة لكن إيجابية، حيث بدأ من حوالي 42 دولار في بداية الأسبوع ووصل إلى ذروة يومية قريبة من 44 دولار، قبل أن يستقر عند هذا المستوى.
وأكد جمال هذا الارتفاع الشهري بنسبة تزيد عن 13% يعكس زخماً قوياً، مع نمو إجمالي يتجاوز 43% منذ بداية العام. هذه الاتجاهات مدعومة بانخفاض قيمة الدولار وتوقعات استمرار سياسات التيسير النقدي من قبل البنوك المركزية، مما يعزز جاذبية الفضة كأداة تحوط ضد التضخم والركود المحتمل.
الأسباب الجوهرية لتفوق الاستثمار بالفضة على الذهب
توقع الباحث الاقتصادي أن يظل أداء الفضة مترابطاً مع الذهب، كونهما يشتركان في دور الملاذ الآمن، لكن الفضة تتميز بتقلب أعلى وإمكانيات نمو أكبر بفضل استخداماتها الصناعية الواسعة. موضحاً أنه حتى الآن، يبلغ سعر الذهب حوالي 3740 دولار للأونصة، مع ارتفاع يومي يقارب 1.6% ونمو شهري بنسبة 11%، وإجمالي يصل إلى 42% منذ بداية 2025.
وتابع جمال أن هذا الارتفاع المشترك ينبع من عوامل مشتركة مثل التوترات الجيوسياسية المستمرة في مناطق حساسة مثل الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، بالإضافة إلى الضغوط التضخمية العالمية التي تجعل المعادن الثمينة خياراً مفضلاً على السندات أو العملات.
وكشف جمال أسباب تفوق الفضة حالياً على الذهب لدوافع معينة تجعلها أكثر ديناميكية مضيفاً أن السبب الأول هو ، الطلب الصناعي المتزايد، حيث يستهلك قطاع الطاقة المتجددة والإلكترونيات أكثر من نصف الإنتاج العالمي للفضة، مقارنة بـ10% فقط للذهب. مع نمو السيارات الكهربائية والألواح الشمسية بنسبة تصل إلى 15% سنوياً، أصبحت الفضة ضرورية للابتكار التكنولوجي، مما يمنحها ميزة اقتصادية حقيقية.
وأوضح الباحث الاقتصادي أن السبب الثاني لتفوق الفضة على الذهب هو العجز في الإمدادات العالمية، الذي يستمر للعام الخامس على التوالي، مع توقعات بفجوة تصل إلى 118 مليون أونصة في 2025، ناتجة عن انخفاض الإنتاج المنجمي واستنزاف المخزونات. هذا العجز يضغط على الأسعار صعوداً بشكل أسرع من الذهب، الذي يعتمد أكثر على الطلب الاستثماري.
وعن ثالث الأسباب، شرح جمال أن نسبة الذهب إلى الفضة الحالية حوالي 86:1، أقل من المتوسط التاريخي البالغ 60:1، مما يشير إلى أن الفضة ما زالت مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية، ومن المتوقع أن تضيق هذه الفجوة مع تعزيز الانتعاش الاقتصادي في أسواق كبرى مثل الصين، أكبر مستهلك للفضة.
وشدد أن الفضة تتفوق الآن لأنها تجمع بين خصائص الذهب كمخزن قيمة وإمكانيات نمو صناعي فريدة، مما يجعلها أكثر مرونة في مواجهة التقلبات الاقتصادية العالمية.
سيناريوهات مدروسة
ونوه جمال إلى أن مسار الفضة يتجه نحو استمرار الصعود، مدعوماً بالعوامل الهيكلية المذكورة. في السيناريو الأساسي، من المتوقع أن يصل السعر إلى متوسط 45-48 دولار للأونصة بنهاية 2025، مع إمكانية تجاوز 50 دولار إذا تفاقمت التوترات الجيوسياسية أو استمرت خفض أسعار الفائدة. مشيراً إلى أن هذا الارتفاع مدفوع بنمو الطلب الصناعي بنسبة 10-15% في قطاعات الطاقة النظيفة والإلكترونيات، بالإضافة إلى زيادة الاستثمارات في الصناديق المتداولة والعقود الآجلة.
وأشار جمال إلى أن الاقتصاد العالمي شهد انتعاشاً قوياً مع انخفاض الفائدة إلى أدنى مستوياتها، قد يصل السعر إلى 52 دولار، مستفيداً من عجز الإمدادات الذي يتوقع أن يستمر ويؤدي إلى استنزاف المخزونات فوق الأرض. أما في سيناريو سلبي، مثل تباطؤ النمو العالمي أو تصعيد تجاري بين الولايات المتحدة والصين، قد يتراجع السعر إلى 38-40 دولار، لكنه سيظل مدعوماً بدوره كملاذ آمن.