..
تشهد السنوات الأخيرة تحولاً جذريًا في خريطة الاستثمارات العالمية نحو التقنيات العميقة، وعلى رأسها الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على وادي السيليكون أو العواصم الكبرى، بل امتد إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، لتصبح مصر واحدة من أبرز الأسواق الواعدة في هذا المجال.
هذا التحول يعكس تغيرًا في مفهوم الاقتصاد الرقمي ودور الابتكار في دعم النمو، ويطرح تساؤلات حول حجم التدفقات المالية الفعلية، ومدى استفادة الشركات الناشئة المصرية والإقليمية من هذه الطفرة.
228 مليون دولار استثمارات الشركات الناشئى خلال 5 أشهر
في مصر، أظهرت البيانات الأخيرة أن الشركات الناشئة جذبت استثمارات بقيمة 228 مليون دولار خلال الفترة من يناير وحتى مايو 2025، عبر ستة عشر صفقة، وهو ما يعادل زيادة قدرها 130% مقارنة بنفس الفترة من العام السابق. هذا الرقم يعكس ثقة متزايدة من جانب المستثمرين المحليين والإقليميين في السوق المصري، الذي يمتاز بقاعدة سكانية ضخمة ونسبة مرتفعة من الشباب الملمين بالتكنولوجيا.
ورغم أن هذه الاستثمارات تشمل مختلف القطاعات، فإن جزءًا مهمًا منها يتجه إلى الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء، خاصة مع توسع الحكومة في مشروعات المدن الذكية والتحول الرقمي.
ومن أبرز الأمثلة على ذلك نجاح شركة Intella، المتخصصة في الذكاء الاصطناعي اللغوي للغة العربية، في جمع 12.5 مليون دولار في جولة تمويل من الفئة A، مما يعكس القدرة التنافسية للشركات المصرية في تقديم حلول تقنية متخصصة للأسواق العربية والإقليمية.
كما أطلقت مبادرات مثل Aria Ventures صناديق موجهة للتقنيات العميقة، بلغت قيمتها نحو 50 مليون جنيه مصري، في محاولة لتأسيس بيئة استثمارية مستدامة لدعم هذا القطاع الحيوي.
66% نموا فى قطاع الذكاء الاصطناعي بالشرق الأوسط
على مستوى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ارتفعت الاستثمارات في الشركات الناشئة لتصل إلى 2.1 مليار دولار في النصف الأول من عام 2025، وفق تقارير إقليمية، ما يجعل المنطقة أحد أكثر المراكز نموًا في العالم في مجال التمويل المبكر.
ويلاحظ أن قطاع الذكاء الاصطناعي كان الأسرع نموًا بنسبة 66% خلال عام 2024، ليحافظ على زخمه في 2025 بفضل الطلب المتزايد على حلول الذكاء الاصطناعي التوليدي والتحليلي، خصوصًا في قطاعات التمويل والصحة والتعليم.
أما إنترنت الأشياء في المنطقة فيرتبط بشكل وثيق بمشروعات البنية التحتية والمدن الجديدة، حيث يجري الاستثمار في أنظمة المراقبة الذكية وحلول الاستدامة وإدارة الموارد، وهو ما يتكامل مع توجه الحكومات لتعزيز الرقمنة وتوطين التقنيات.
مصر، إلى جانب السعودية والإمارات، تقف في مقدمة هذه الموجة، وتتنافس على جذب الاستثمارات الأجنبية بفضل حجم السوق وسياسات الإصلاح الاقتصادي والقانوني.
33.9 مليار دولار استثمار قى الذكاء الاصطناعي التوليدي
عالميًا، يختلف المشهد من حيث الحجم لكنه يتقاطع من حيث الاتجاهات، فقد بلغ الاستثمار الخاص في الذكاء الاصطناعي نحو 252.3 مليار دولار في عام 2024، منها 33.9 مليار للذكاء الاصطناعي التوليدي وحده، وهو ما يعكس حجم الرهان العالمي على هذه التقنية.
ومع مطلع 2025، وصل حجم تمويل الذكاء الاصطناعي التوليدي وحده إلى 49.2 مليار دولار في النصف الأول فقط، مما ينبئ برقم قياسي غير مسبوق بنهاية العام.
أما إنترنت الأشياء، فرغم غياب بيانات دقيقة عن حجم الاستثمارات المالية المجزأة، فإن مؤشرات السوق تشير إلى نمو متسارع، حيث تجاوز عدد الأجهزة المتصلة 16.6 مليار جهاز في 2023، مع توقع وصولها إلى 18.8 مليار في 2024، وهو ما يوفر قاعدة واسعة لتطبيقات صناعية وتجارية وخدمية تستقطب مليارات الدولارات من الاستثمارات.
عند المقارنة بين المستويات الثلاثة، يتضح أن مصر تسير في مسار متقارب مع الاتجاهات العالمية لكن على نطاق أصغر، إذ تعتمد على استثمارات عشرات ومئات الملايين، بينما تتحرك الأسواق العالمية بعشرات ومئات المليارات.
غير أن الفجوة في الحجم لا تقلل من قيمة الدور الاستراتيجي لمصر والمنطقة، حيث يشكلان منصات صاعدة قادرة على ابتكار حلول محلية قابلة للتوسع إقليميًا، بما يجعلها جاذبة لرؤوس الأموال الطامحة إلى تنويع جغرافي للأسواق.
لكن التحديات تبقى قائمة، وعلى رأسها ارتفاع تكلفة رأس المال ونقص الكفاءات التقنية المتخصصة، إضافة إلى الحاجة لخلق مسارات خروج واضحة للمستثمرين. لكن مع استمرار الدعم الحكومي، وتزايد اهتمام الصناديق الإقليمية والعالمية، تبدو المنطقة، ومصر خصوصًا، في طريقها إلى ترسيخ موقعها كمركز مهم للاستثمارات في الذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء.